فَمَنْفَعَةُ كُلِّ عُضْوٍ عَلَى حَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ وَهَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: اسْتِحْقَاقُ لَبَنِ الْآدَمِيَّةِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَجَوَازُ بَيْعِ لَبَنِ الْأَنْعَامِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ
وَقَدْ ذُكِرَ فِي كِتَابٍ أَنَّهَا، لَوْ رَبَّتْ الصَّغِيرَ بِلَبَنِ الْأَنْعَامِ، لَا تَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ وَقَدْ قَامَتْ بِمَصَالِحِهِ فَلَوْ كَانَ اللَّبَنُ تَبَعًا وَلَمْ يَكُنْ الْأَجْرُ بِمُقَابَلَتِهِ لَاسْتَوْجَبَتْ الْأَجْرَ، ثُمَّ بَدَأَ الْبَابُ بِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُرْضِعْ لَكُمْ الْحَمْقَاءُ فَإِنَّ اللَّبَنَ يُفْسِدُ» وَهُوَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ اللَّبَنَ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ عَيْنِهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَوَلَّدُ مِنْهَا فَتُؤَثِّرُ فِيهِ حَمَاقَتُهَا وَيَظْهَرُ أَثَرٌ فِي ذَلِكَ الرَّضِيعِ لِمَا لِلْغِذَاءِ مِنْ الْأَثَرِ، وَنَظِيرُهُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا تُرْضِعْ لَكُمْ سَيِّئَةُ الْخُلُقِ».
وَإِذَا اسْتَأْجَرَ ظِئْرًا تُرْضِعُ صَبِيًّا لَهُ سَنَتَيْنِ حَتَّى تَفْطِمَهُ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهَا بِعَمَلٍ مَعْلُومٍ بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ وَطَعَامُهَا وَكِسْوَتُهَا عَلَى نَفْسِهَا؛ لِأَنَّهَا شَرَطَتْ عَلَيْهِمْ الْأَجْرَ الْمُسَمَّى بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهَا فَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ حَالُهَا بَعْدَ الْعَقْدِ كَمَا قَبْلَ الْعَقْدِ، وَتُرْضِعُهُ فِي بَيْتِهَا إنْ شَاءَتْ وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تُرْضِعَهُ فِي بَيْتِ أَبِيهِ؛ لِأَنَّهَا بِالْعَقْدِ الْتَزَمَتْ فِعْلَ الْإِرْضَاعِ وَمَا الْتَزَمَتْ الْمَقَامَ فِي بَيْتِهِمْ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى إيفَاءِ مَا الْتَزَمَتْ فِي بَيْتِ نَفْسِهَا فَإِنْ اشْتَرَطَتْ كِسْوَتَهَا كُلَّ سَنَةٍ ثَلَاثَةَ أَثْوَابٍ زُطِّيَّةٍ وَاشْتَرَطَتْ عِنْدَ الْفِطَامِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً، وَقَطِيفَةً، وَمِسْحًا، وَفِرَاشًا فَذَلِكَ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا الْمَوْضِعِ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ الْإِجَارَاتِ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَطَتْ عَلَيْهِمْ طَعَامًا فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَاف
وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا عَقْدُ إجَارَةٍ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِإِعْلَامِ الْأُجْرَةِ كَمَا فِي سَائِرِ الْإِجَارَاتِ، وَالطَّعَامُ مَجْهُولُ الْجِنْسِ وَالْمِقْدَارِ وَالصِّفَةِ، وَالْكِسْوَةُ كَذَلِكَ هُنَا، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ كَمَا فِي سَائِرِ الْإِجَارَاتِ؛ لِأَنَّهَا تُفْضِيَ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَكَذَلِكَ هُنَا، وَهَذَا قِيَاسٌ يَشُدُّهُ الْأَثَرُ وَهُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ» فَإِنْ أَقَامَتْ الْعَمَلَ فَلَهَا أَجْرُ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهَا وَفَّتْ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ، إلَّا أَنْ يُسَمُّوا لَهَا ثِيَابًا مَعْلُومَةَ الْجِنْسِ وَالطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالرُّقْعَةِ وَيَضْرِبُوا لِذَلِكَ أَجَلًا وَيُسَمُّوا لَهَا كُلَّ يَوْمٍ كَيْلًا مِنْ الدَّقِيقِ مَعْلُومًا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ كَمَا فِي سَائِرِ الْإِجَارَاتِ وَالْبُيُوعِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٣] يَعْنِي أَجْرًا عَلَى الْإِرْضَاعِ بَعْدَ الطَّلَاقِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ قَالَ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: ٢٣٣]، وَذَلِكَ أَجْرُ الرَّضَاعِ لَا نَفَقَةُ النِّكَاحِ وَلِأَنَّ النَّاسَ تَعَارَفُوا بِهَذَا الْعَقْدِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَيْسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute