فِي عَيْنِهِ نَصٌّ يُبْطِلُهُ وَفِي النُّزُوعِ عَنْ هَذِهِ الْعَادَةِ حَرَجٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُعِدُّونَ الظِّئْرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِمْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ يَسْتَنْكِفُونَ عَنْ تَقْدِيرِ طَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا كَمَا يَسْتَنْكِفُونَ عَنْ تَقْدِيرِ طَعَامِ الزَّوْجَاتِ وَكِسْوَتِهِنَّ، ثُمَّ إنَّمَا لَمْ يُجَوَّزْ هَذَا فِي سَائِرِ الْإِجَارَاتِ لِتَمَكُّنِ الْمُنَازَعَةِ فِي الثَّانِي، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ هُنَا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْنَعُونَ الظِّئْرَ كِفَايَتَهَا مِنْ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ ذَلِكَ تَرْجِعُ إلَى وَلَدِهِمْ وَرُبَّمَا يُكَلِّفُونَهَا أَنْ تَأْكُلَ فَوْقَ الشِّبَعِ لِيَكْثُرَ لَبَنُهَا، وَكَذَلِكَ لَا يَمْنَعُونَهَا كِفَايَتَهَا مِنْ الْكِسْوَةِ لِكَوْنِ وَلَدِهِمْ فِي حِجْرِهَا، ثُمَّ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فِي هَذَا الْعَقْدِ يُتَوَسَّعُ فِيهِ مَا لَا يُتَوَسَّعُ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ حَتَّى أَنَّ اللَّبَنَ الَّذِي هُوَ عَيْنٌ حَقِيقَةً يُسْتَحَقُّ بِهَذِهِ الْإِجَارَةِ دُونَ غَيْرِهَا، فَكَذَلِكَ يُتَوَسَّعُ فِي الْعِوَضِ الْآخَرِ فِي هَذَا الْعَقْدِ مَا لَا يُتَوَسَّعُ فِي غَيْرِهِ
وَإِذَا جَازَ الْعَقْدُ عِنْدَهُ كَانَ لَهَا الْوَسَطُ مِنْ الْمَتَاعِ وَالثِّيَابِ الْمُسَمَّاةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ ذَلِكَ بِمُطْلَقِ التَّسْمِيَةِ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَسَطِ كَمَا فِي الصَّدَاقِ إذَا سَمَّى لَهَا عَبْدًا، أَوْ ثَوْبًا هَرَوِيًّا وَهَذَا؛ لِأَنَّ فِي تَعْيِينِ الْوَسَطِ نَظَرٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَوْ اشْتَرَطُوا عَلَيْهَا أَنْ تُرْضِعَ الصَّبِيَّ فِي مَنْزِلِهِمْ فَهُوَ جَائِزٌ كَمَا فِي سَائِرِ الْإِجَارَاتِ إذَا اشْتَرَطَ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْأَجِيرِ إقَامَةَ الْعَمَلِ فِي بَيْتِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُمْ يَنْتَفِعُونَ بِهَذَا الشَّرْطِ فَإِنَّهَا تَتَعَاهَدُ الصَّبِيَّ فِي بَيْتِهِمْ مَا لَا تَتَعَاهَدُهُ فِي بَيْتِ نَفْسِهَا، وَرُبَّمَا لَا يَتَحَمَّلُ قَلْبُهُمَا غَيْبَةَ الْوَلَدِ عَنْهُمَا
وَالشَّرْطُ الْمُفِيدُ فِي الْعَقْدِ مُعْتَبَرٌ، فَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ فَأَجَّرَتْ نَفْسَهَا لِلظِّئْرَةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يُبْطِلَ عَقْدَ الْإِجَارَةِ قِيلَ: هَذَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مِمَّا يَشِينُهُ أَنْ تَكُونَ زَوْجَتُهُ ظِئْرًا
فَلِدَفْعِ الضَّرَرِ
عَنْ نَفْسِهِ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ، فَأَمَّا إذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يَشِينُهُ ذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ تُرْضِعُهُ فِي بَيْتِ أَبَوَيْهِ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ، وَإِنْ كَانَتْ تُرْضِعُهُ فِي بَيْتِ نَفْسِهَا فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ إدْخَالِ صَبِيِّ الْغَيْرِ مَنْزِلَهُ؛ وَلِأَنَّهَا فِي الْإِرْضَاعِ وَالسَّهَرِ بِاللَّيْلِ تُتْعِبُ نَفْسَهَا، وَذَلِكَ يُنْقِصُ مِنْ جَمَالِهَا، وَجَمَالُهَا حَقُّ الزَّوْجِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِ فِي حَقِّهِ كَمَا يَمْنَعُهَا مِنْ التَّطَوُّعَاتِ، وَهَذَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا مَعْرُوفًا، فَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا لَا تُعْرَفُ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ إلَّا بِقَوْلِهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ لَزِمَهَا، وَقَوْلَهَا غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي حَقِّ مَنْ اسْتَأْجَرَهَا وَلِأَنَّهُ تَتَمَكَّنُ تُهْمَةُ الْمُرَاضَعَةِ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ بِأَنْ يُقِرَّ لَهُ بِالنِّكَاحِ لِيَفْسَخَ الْإِجَارَةَ، وَهُوَ نَظِيرُ الْمَنْكُوحَةِ إذَا كَانَتْ مَجْهُولَةَ الْحَالِ فَأَقَرَّتْ بِالرِّقِّ عَلَى نَفْسِهَا فَإِنَّهَا لَا تُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ النِّكَاحِ فَإِنْ هَلَكَ الصَّبِيُّ بَعْدَ سَنَةٍ فَلَهَا أَجْرُ مَا مَضَى وَلَهَا مِمَّا اشْتَرَطَتْ مِنْ الْكِسْوَةِ وَالدَّرَاهِمِ عِنْدَ الْفِطَامِ بِحِسَابِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا أَوْفَتْ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ فَتَقَرَّرَ حَقُّهَا فِيمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute