للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْضَ الرَّهْنِ يَفْرَغُ مِنْ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ وَيَثْبُتُ فِيهِ ضَمَانُ الدَّيْنِ الثَّانِي، وَيَبْقَى حُكْمُ الْأَوَّلِ فِي الْبَعْضِ مُشَاعًا، وَيَثْبُتُ فِيمَا يُقَابِلُ الزِّيَادَةَ مُشَاعًا، وَالشُّيُوعُ فِي الرَّهْنِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّهْنِ، فَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ فَتُؤَدِّي إلَى الشُّيُوعِ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الدَّيْنِ يَحُولُ ضَمَانُهُ مِنْ الرَّهْنِ الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي وَالشُّيُوعُ فِي الدَّيْنِ لَا يَصِيرُ كَمَا لَوْ رَهَنَهُ بِنِصْفِ الدَّيْنِ رَهْنًا، وَلَا يُقَالُ الزِّيَادَةُ تَثْبُتُ عَلَى سَبِيلِ الِالْتِحَاقِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الشُّيُوعِ فِيهِ؛ لِأَنَّا نُسَلِّمُ هَذَا، وَلَكِنَّهُ مَعَ الِالْتِحَاقِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ تَثْبُتُ قِيمَتُهُ مُلْحَقًا، فَهُوَ كَمَا لَوْ رَهَنَهُ فِي الِابْتِدَاءِ ثَوْبًا بِعِشْرِينَ نِصْفُهُ بِعَشَرَةٍ، وَنِصْفُهُ بِعَشَرَةٍ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَبِهِ فَارَقَ الْبَيْعَ فَالشُّيُوعُ، وَتَفَرُّقُ التَّسْمِيَةِ لَا يُؤَثِّرُ فِي إفْسَادِ الْبَيْعِ، وَالثَّانِي: أَنَّ الزِّيَادَةَ إنَّمَا تَصِحُّ مُلْحَقَةً بِأَصْلِ الْعَقْدِ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَالْمَعْقُودِ بِهِ، وَالدَّيْنُ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ، وَلَا بِمَعْقُودٍ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ بِهِ مَا يَكُونُ وُجُوبُهُ بِالْعَقْدِ وَالدَّيْنُ كَانَ وَاجِبًا قَبْلَ عَقْدِ الرَّهْنِ بِسَبَبِهِ، وَيَبْقَى فَسْخُ الرَّهْنِ، فَلَا يَمْلِكُ إثْبَاتَ الزِّيَادَةِ فِيهِ مُلْحَقَةً بِأَصْلِ الْعَقْدِ، فَأَمَّا الرَّهْنُ فَمَعْقُودٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَحْبُوسًا قَبْلَ عَقْدِ الرَّهْنِ، وَلَا يَبْقَى مَحْبُوسًا بَعْدَ فَسْخِ عَقْدِ الرَّهْنِ فَالزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ زِيَادَةٌ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيُلْتَحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ (وَفِقْهُ هَذَا الْكَلَامِ): أَنَّ صِحَّةَ الزِّيَادَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْعَقْدِ يَعْسُرُ وَصْفُهُ أَوْ حُكْمُهُ، وَذَلِكَ مُسْتَحَقٌّ فِي الزِّيَادَةِ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَبْلَ الزِّيَادَةِ أَنَّ الرَّهْنَ الْأَوَّلَ مَضْمُونٌ بِعَشَرَةٍ، وَبَعْدَ الزِّيَادَةِ يَكُونُ مَضْمُونًا بِخَمْسَةِ فَثَبَتَتْ الزِّيَادَةُ فِيهِ مُلْتَحِقَةً بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ فَلَا تُغَيِّرُ وَصْفَ الْعَقْدِ، وَلَا حُكْمَهُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ، وَمِنْ الدَّيْنِ سَوَاءٌ وُجِدَتْ الزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ أَوْ لَمْ تُوجَدُ، فَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الزِّيَادَةِ فِي ضَمَانِ الرَّهْنِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّهْنِ بِأَمْرِ الْقَاضِي أَوْ بِأَمْرِ صَاحِبِهِ فَذَاكَ دَيْنٌ، وَجَبَ لَهُ عَلَى الرَّهْنِ، وَفِي ثُبُوتِ حُكْمِ الْجِنْسِ بِاعْتِبَارِهِ اخْتِلَافٌ، كَمَا بَيَّنَّا، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الرَّهْنُ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ، وَالدَّيْنُ أَلْفًا فَجَنَى الْمَرْهُونُ، وَفَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ وَالرَّاهِنُ غَائِبٌ فَنِصْفُ الْفِدَاءِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَنِصْفُهُ وَهُوَ حِصَّةُ الْأَمَانَةِ عَلَى الرَّاهِنِ لَا يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ مُتَطَوِّعًا فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ فَهُوَ دَيْنٌ حَادِثٌ لَهُ عَلَى الرَّاهِنِ، فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الرَّهْنَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْأَوَّلِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَقْرَضَهُ مَالًا زِيَادَةً فِي الدَّيْنِ الْأَوَّلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ رَهْنِ الْوَصِيِّ وَالْوَلَدِ]

(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَإِذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ، وَلَهُ وَصِيٌّ، فَرَهَنَ الْوَصِيُّ بَعْضَ مَا تَرَكَهُ عِنْدَ غَرِيمٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>