وَقَالَ: إنَّ هَذَا شَيْءٌ عَرَضَ لَكُمْ الشَّيْطَانُ فَأَوْمِ بِسُجُودِكَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رَأَى مَرِيضًا يَفْعَلُ هَكَذَا فَقَالَ: أَتَتَّخِذُونَ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً فَدَلَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ سَجَدَ هَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ قَالَ: يُنْظَرُ إنْ خَفَضَ رَأْسَهُ لِلرُّكُوعِ ثُمَّ لِلسُّجُودِ يَجُوزُ بِالْإِيمَاءِ لَا بِوَضْعِ الرَّأْسِ عَلَى الْعُودِ، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ رَفَعَ الْعُودَ إلَى جَبْهَتِهِ وَوَضَعَ عَلَيْهِ جَبْهَتَهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْإِيمَاءُ فَقُلْنَا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَأَمَّا إذَا سَجَدَ عَلَى الْوِسَادَةِ يُجْزِئُهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ «أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا كَانَ بِهَا رَمَدٌ فَسَجَدَتْ عَلَى الْمِرْفَقَةِ فَجَوَّزَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -».
قَالَ: (وَلَوْ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا صَلَّى بِالْإِيمَاءِ مُضْطَجِعًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الصَّلَاةَ) وَلَا يَبْنِي إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَبْنِي آخِرَ صَلَاتِهِ عَلَى أَوَّلِ صَلَاتِهِ، كَالْمُقْتَدِي يَبْنِي صَلَاتَهُ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ، فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ يَصِحُّ الْبِنَاءُ وَإِلَّا فَلَا فَنَقُولُ بِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا صَلَّى بِالْإِيمَاءِ مُضْطَجِعًا وَالْمُقْتَدِي يُصَلِّي بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ، فَكَذَلِكَ هُنَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ، وَأَمَّا إذَا صَلَّى قَاعِدًا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ثُمَّ بَرَأَ وَقَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ فِي بَعْضِ الصَّلَاةِ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا صَلَّى قَاعِدًا وَالْمُقْتَدِي قَائِمًا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَكَذَلِكَ يَصِحُّ الْبِنَاءُ، وَأَمَّا إذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ قَائِمًا ثُمَّ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ وَقَعَدَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ، وَذَلِكَ يَصِحُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
[بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ]
الْأَصْلُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَهَا فِي صَلَاتِهِ فَسَجَدَ» وَفِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ» وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ يَقُولُ: هُوَ وَاجِبٌ اسْتِدْلَالًا بِمَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا سَهَا الْإِمَامُ وَجَبَ عَلَى الْمُؤْتَمِّ أَنْ يَسْجُدَ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ جَبْرٌ لِنُقْصَانِ الْعِبَادَةِ فَكَانَ وَاجِبًا كَدِمَاءِ الْجَبْرِ فِي بَابِ الْحَجِّ، وَهَذَا لِأَنَّ أَدَاءَ الْعِبَادَةِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَاجِبٌ وَصِفَةُ الْكَمَالِ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِجَبْرِ النُّقْصَانِ. وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا كَانَ يَقُولُ: إنَّهُ سُنَّةٌ اسْتِدْلَالًا بِمَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ الْعَوْدَ إلَى سُجُودِ السَّهْوِ لَا يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَكَانَ رَافِعًا لِلتَّشَهُّدِ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute