بِعَشَرَةِ آلَافٍ كَانَ لَهُ رُبْعُ ثَمَنِهَا مِنْ غَيْرِ الْمُضَارَبَةِ؛ فَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِمَّا نَقَدَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فِي الدَّيْنِ الَّذِي خَرَجَ.
[بَابُ الْمُضَارِبِ يَأْمُرهُ رَبُّ الْمَالِ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:) وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى الْمَالِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدَانَةَ شِرَاءٌ بِالنَّسِيئَةِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: ٢٨٢] فَقَدْ وَكَّلَهُ بِالشِّرَاءِ بِالنَّسِيئَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ.
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالشِّرَاءِ بِالنَّسِيئَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى كُلُّهُ لِلْمُوَكِّلِ جَازَ، فَكَذَلِكَ النِّصْفُ فَإِنْ اشْتَرَى بِالْمُضَارَبَةِ غُلَامًا، ثُمَّ اشْتَرَى عَلَى الْمُضَارَبَةِ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ دَيْنًا، وَقَبَضَهَا ثُمَّ بَاعَهَا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَقَبَضَ الْمَالَ ثُمَّ هَلَكَ مَا قَبَضَ وَلَمْ يَدْفَعْ مَا بَاعَ وَمَا كَانَ عِنْدَهُ فَإِنَّ الْمُضَارِبَ يَلْحَقُهُ نِصْفُ ثَمَنِ الْجَارِيَةِ، وَيَكُونُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ نِصْفُ ثَمَنِهَا؛ لِأَنَّهُ فِيمَا اسْتَدَانَ كَانَ مُشْتَرِيًا نِصْفَهُ لِنَفْسِهِ، وَنِصْفَهُ لِرَبِّ الْمَالِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، فَإِنَّ الشَّرْطَ بَيْنَهُمَا فِي الْمُضَارَبَةِ الْمُنَاصَفَةُ وَلَا تَكُونُ الْمُنَاصَفَةُ فِي الرِّبْحِ فِي الْمُشْتَرَى بِالنَّسِيئَةِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَهَا لِنَفْسِهِ؛ كَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ ثَمَنِهَا، وَنِصْفُ ثَمَنِهَا كَانَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَهَا لَهُ بِأَمْرِهِ وَلَوْ لَمْ تَهْلِكْ الْجَارِيَةُ كَانَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ يُؤَدِّيَانِ مِنْ ثَمَنِهَا مَا عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَالْبَاقِي عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْ الْمُضَارِبُ الْجَارِيَةَ وَلَكِنَّهُ أَعْتَقَهَا وَلَا فَضْلَ فِيهَا عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فَعِتْقُهُ جَائِزٌ فِي نِصْفِهَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ نِصْفَهَا بِالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ جَارِيَةٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا، وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بِالْمُضَارَبَةِ فَإِنَّهُ مَمْلُوكٌ لِرَبِّ الْمَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، فَلَا يَنْفُذْ عِتْقُ الْمُضَارِبِ فِيهِ.
وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى الْمَالِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا: لِلْمُضَارِبِ ثُلُثَاهُ، وَلِرَبِّ الْمَالِ ثُلُثُهُ، فَاشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِالْأَلْفِ جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفَيْنِ، ثُمَّ اشْتَرَى عَلَى الْمُضَارَبَةِ غُلَامًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَبَاعَهُمَا جَمِيعًا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ، فَإِنَّ ثَمَنَ الْجَارِيَةِ يَسْتَوْفِي مِنْهُ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ رِبْحٌ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا: ثُلُثَاهُ لِلْمُضَارِبِ، وَثُلُثُهُ لِرَبِّ الْمَالِ.
وَأَمَّا ثَمَنُ الْغُلَامِ فَيُؤَدِّي مِنْهُ ثَمَنَهُ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالِاسْتِدَانَةِ كَانَ مُطْلَقًا، فَالْمُشْتَرَى بِالدَّيْنِ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَمَعَ الْمُنَاصَفَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْمُشْتَرَى لَا يَصِحُّ شَرْطُ التَّفَاوُتِ فِي الرِّبْحِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ رَجُلَيْنِ لَوْ اشْتَرَكَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute