فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهَا إذَا قَالَتْ: أَنَا زَوْجَتُك فَقَدْ اعْتَمَدَ خَبَرَ الْوَاحِدِ وَذَلِكَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَصِيرَ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَخْبَرَهُ رَجُلٌ أَنَّ امْرَأَتَهُ هَذِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ خَبَرَهُ وَيَطَأَهَا؟ فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهَا غَيْرُ امْرَأَتِهِ كَانَ الثَّابِتُ حُكْمَ الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ، فَكَذَلِكَ هِيَ إذَا أَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ، فَأَمَّا إذَا لَمْ تُخْبِرْهُ فَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ إجَابَتُهَا أَوْ إتْيَانُهَا بَعْدَ مَا دَعَا زَوْجَتَهُ بِمَنْزِلَةِ إخْبَارِهَا أَنِّي زَوْجَتُك وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: إنْ أَجَابَتْهُ إلَى الْفِرَاشِ فَهُوَ كَمَا لَوْ وَجَدَهَا نَائِمَةً عَلَى فِرَاشِهِ وَكَمَا لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ هُنَاكَ بِظَنِّهِ فَكَذَلِكَ هُنَا
[اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً لِيَزْنِيَ بِهَا فَزَنَى بِهَا]
(قَالَ) رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً لِيَزْنِيَ بِهَا فَزَنَى بِهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: عَلَيْهِمَا الْحَدُّ لِتَحَقُّقِ فِعْلِ الزِّنَا مِنْهُمَا، فَإِنَّ الِاسْتِئْجَارَ لَيْسَ بِطَرِيقٍ لِاسْتِبَاحَةِ الْبُضْعِ شَرْعًا فَكَانَ لَغْوًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلطَّبْخِ أَوْ الْخَبْزِ ثُمَّ زَنَى بِهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الِاسْتِئْجَارِ مَنْفَعَةٌ لَهَا حُكْمُ الْمَالِيَّةِ وَالْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ الْعِتْقِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ أَصْلًا وَالْعَقْدُ بِدُونِ مَحَلِّهِ لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا، فَإِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ بِهِ كَانَ هُوَ وَالْإِذْنُ سَوَاءً.
وَلَوْ زَنَى بِهَا بِإِذْنِهَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - احْتَجَّ بِحَدِيثَيْنِ ذَكَرَهُمَا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَحَدُهُمَا مَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً اسْتَسْقَتْ رَاعِيًا فَأَبَى أَنْ يَسْقِيَهَا حَتَّى تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا فَدَرَأَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْحَدَّ عَنْهُمَا، وَالثَّانِي أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ رَجُلًا مَالًا فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهَا حَتَّى تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا فَدَرَأَ الْحَدَّ وَقَالَ: هَذَا مَهْرٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا دَرَأَ الْحَدَّ عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُضْطَرَّةً تَخَافُ الْهَلَاكَ مِنْ الْعَطَشِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الْحَدِّ عَنْهُ وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيمَا إذَا كَانَتْ سَائِلَةً مَالًا كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي مَعَ أَنَّهُ عَلَّلَ فَقَالَ إنَّ هَذَا مَهْرٌ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْمَهْرَ وَالْأَجْرَ يَتَقَارَبَانِ قَالَ تَعَالَى {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: ٢٤] سُمِّيَ الْمَهْرُ أَجْرًا.
وَلَوْ قَالَ: أَمْهَرْتُك كَذَا لِأَزْنِيَ بِك لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ، فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: اسْتَأْجَرْتُك تَوْضِيحُهُ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَيْسَ بِزِنًا، وَأَهْلُ اللُّغَةِ لَا يُسَمُّونَ الْوَطْءَ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى الْعَقْدِ زِنًى وَلَا يَفْصِلُونَ بَيْنَ الزِّنَا وَغَيْرِهِ إلَّا بِالْعَقْدِ فَكَذَلِكَ لَا يَفْصِلُونَ بَيْنَ الِاسْتِئْجَارِ وَالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا شَرْعِيٌّ، وَأَهْلُ اللُّغَةِ لَا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ فَعَرَفْنَا أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَيْسَ بِزِنًا لُغَةً وَذَلِكَ شُبْهَةٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْمُخْتَلِسِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَيْسَ بِسَرِقَةٍ لُغَةً، يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِ الْعِتْقِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مَنْفَعَةٌ، وَالِاسْتِئْجَارُ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ لِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ وَبِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ يَصِيرُ شُبْهَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute