للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّظَرِ مِنْهُ لَهُمَا، وَذَلِكَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ إذَا كَانَ لَا يُوقَفُ عَلَى مَوْضِعِ الْمُشْتَرِي. فَأَمَّا إذَا كَانَ يَعْرِفُ ذَلِكَ فَالْبَائِعُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَنْ يَبِيعَهُ وَيُطَالِبُهُ بِالثَّمَنِ وَمِلْكُهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُبْطِلَ عَلَيْهِ عَيْنَ مِلْكِهِ لِاتِّصَالِ الْبَائِعِ إلَى حَقِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ اخْتِلَافِ الشَّهَادَةِ]

(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَاهِدَانِ شَهِدَا أَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالْبَصْرَةِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِعَيْنِهِ بِالْكُوفَةِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِكَذِبِ أَحَدِهِمَا) فَإِنَّ الْإِنْسَانَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لَا يَكُونُ بِالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ رَجُلَانِ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ لِهَذَا. فَإِذَا شَهِدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَجُلٌ وَاحِدٌ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِالْكُوفَةِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِالْبَصْرَةِ وَلَمْ يُوَقِّتَا وَقْتًا فَهُنَاكَ الشَّهَادَةُ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ كَلَامٌ يَتَكَرَّرُ فَلَا يَخْتَلِفُ الْمَشْهُودُ بِهِ بِاخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ فِي الْمَكَانِ.

رَجُلٌ يَدَّعِي دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا لَهُ وَشَهِدَ لَهُ بِهَا شَاهِدَانِ أَحَدُهُمَا بِالشِّرَاءِ وَالْآخَرُ بِالْهِبَةِ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا بُدَّ أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدَ السَّبَبَيْنِ، وَبِهِ يَكُونُ مُكَذِّبًا أَحَدَ الشَّاهِدَيْنِ لَا مَحَالَةَ، وَلِأَنَّ الْهِبَةَ غَيْرُ الْبَيْعِ، وَلَيْسَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ السَّبْيَيْنِ حُجَّةٌ تَامَّةٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْهِبَةِ وَالْآخَرُ بِالصَّدَقَةِ، أَوْ الرَّهْنِ، أَوْ الْمِيرَاثِ أَوْ الْوَصِيَّةِ فَهُوَ بَاطِلٌ لِلْمَعْنَيَيْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْمِيرَاثِ وَالْآخَرُ بِالْوَصِيَّةِ فَهُوَ بَاطِلٌ لِلْمَعْنَيَيْنِ. وَإِذَا ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِهَا عَلَيْهِ وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ عَلَى الصَّدَقَةِ. وَقَالَ لَمْ يَهَبْهَا لِي قَطُّ، وَقَدْ ادَّعَى الْهِبَةَ عِنْدَ الْقَاضِي فَهَذَا إكْذَابٌ مِنْهُ لِشَاهِدَيْهِ وَهُوَ تَنَاقُضٌ مِنْهُ فِي الْكَلَامِ فَقَدْ زَعَمَ مَرَّةً أَنَّهُ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ ادَّعَى الصَّدَقَةَ بَعْدَ ذَلِكَ وَزَعَمَ مَرَّةً أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ، ثُمَّ قَالَ لَمْ يَهَبْهَا لِي قَطُّ وَلَا تَنَاقُضَ أَظْهَرَ مِنْ هَذَا وَمَعَ التَّنَاقُضِ لَا يَسْمَعُ دَعْوَاهُ وَالْبَيِّنَةُ لَا تُقْبَلُ إلَّا بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ، ثُمَّ إكْذَابْ الْمُدَّعِي شَاهِدَهُ تَخْرُجُ شَهَادَتُهُ مِنْ أَنْ تَكُونَ حُجَّةً لَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى أَنَّهَا مِيرَاثٌ لَمْ يَشْتِرْهَا قَطُّ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ هِيَ بِشِرَاءٍ وَلَمْ أَرِثْهَا قَطُّ وَجَاءَ بِشَاهِدَيْنِ عَلَى الشِّرَاءِ مُنْذُ سَنَةٍ فَهُوَ بَاطِلٌ لِمَعْنَى التَّنَاقُضِ وَالْإِكْذَابِ فَإِنْ ادَّعَاهَا هِبَةً وَلَمْ يَقُلْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِهَا عَلَيَّ قَطُّ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ بِشُهُودٍ عَلَى الصَّدَقَةِ. وَقَالَ لَمَّا جَحَدَنِي الْهِبَةَ سَأَلْته أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَيَّ فَفَعَلَ أَجَزْت هَذَا؛ لِأَنَّهُ وَفَّقَ بَيْنَ كَلَامَيْهِ بِتَوْفِيقٍ صَحِيحٍ فَيَنْعَدِمُ لَهُ الْإِكْذَابُ وَالتَّنَاقُضُ

<<  <  ج: ص:  >  >>