للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَوْتِهِ حِين وَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ بَيَانِهِ، ثُمَّ حَقُّ أَصْحَابِ الْأَمَانَةِ مِنْ وَجْهٍ أَقْوَى، لِعِلْمِنَا أَنَّهُ كَانَ فِي عَيْنِ الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ، وَمَنْ لَهُ حَقُّ الْعَيْنِ، فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ - كَالْمُرْتَهِنِ فِي الرَّهْنِ - فَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَحِقُّ صَاحِبُ الْأَمَانَةِ التَّرْجِيحَ، فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يُزَاحِمَ الْغُرَمَاءَ.

(وَإِذَا) رَدَّ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ إلَى الْمُودِعِ، ثُمَّ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ، وَحَضَرُوا عِنْدَ الْقَاضِي: فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي الْقَبْضِ قَدْ انْتَسَخَ بِالرَّدِّ إلَى مَنْ أَخَذَ مِنْهُ؛ فَلَا يَبْقَى لَهُ حُكْمٌ بَعْدَ ذَلِكَ، وَبَيَانُ الِانْتِسَاخِ مِنْ حَيْثُ الْحِسِّ ظَاهِرٌ. وَمِنْ حَيْثُ الْحُكْمِ: فَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالرَّدِّ شَرْعًا عَلَى مَنْ أَخَذَهَا مِنْهُ قَبْلَ حُضُورِ الْمَالِكِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَوَّلَ لَوْ كَانَ غَاصِبًا مَعْرُوفًا فَطَالَبَ الْمُودَعَ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَحْضُرَ الْمَالِكُ: أَلْزَمَهُ الْقَاضِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ سَرِقَةً، أَوْ غَصْبًا: فَالْمُودَعُ بِالرَّدِّ عَلَى مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُ يَكُونُ نَاسِخًا حُكْمَ فِعْلِهِ فَيَبْقَى لِلْمَالِكِ قَبْلَهُ حَقٌّ؛ وَهَذَا لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ التَّفْوِيتِ؛ فَإِنَّ بِأَخْذِهِ فَاتَ عَلَى الْمَالِكِ التَّمَكُّنُ مِنْ الْأَخْذِ مِنْ الْأَوَّلِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْإِعَادَةِ إلَى يَدِهِ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمُودَعُ صَبِيًّا، أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ صَبِيًّا، أَوْ عَبْدًا؛ لِأَنَّ الْمُسْقِطَ لِلضَّمَانِ فِي حَقِّ الْمُودَعِ: رَدُّهُ إلَى مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُ، وَذَلِكَ مُتَحَقِّقٌ مِنْهُ.

(وَإِنْ) كَانَ الْمُودَعُ دَفَعَهَا إلَى إنْسَانٍ بِأَمْرِ الْمُودِعِ، أَوْ بَاعَ، أَوْ وَهَبَ، وَسَلَّمَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ: كَانَ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَضْمَنَ الْمُسْتَوْدَعَ؛ لِأَنَّهُ مَا نُسِخَ فِعْلُهُ بِالرَّدِّ إلَى مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُ إنَّمَا سَلَّمَهُ إلَى غَيْرِهِ، وَذَلِكَ سَبَبٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ بِدُونِ أَمْرِ الْمُودِعِ، وَقَدْ ظَهَرَ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَنَّ أَمْرَهُ لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا؛ فَكَانَ الْمُسْتَوْدَعُ ضَامِنًا - بِخِلَافِ الْأَوَّلِ - فَقَدْ رُدَّ هُنَاكَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ، وَذَلِكَ نَاسِخٌ لِفِعْلِهِ.

[عَبْدٌ اسْتَوْدَعَ رَجُلًا وَدِيعَةً ثُمَّ غَابَ]

(عَبْدٌ) اسْتَوْدَعَ رَجُلًا وَدِيعَةً، ثُمَّ غَابَ: لَمْ يَكُنْ لِمَوْلَاهُ أَنْ يَأْخُذَ الْوَدِيعَةَ تَاجِرًا كَانَ الْعَبْدُ، أَوْ مَحْجُورًا؛ لِأَنَّ الْمُودَعَ مَا قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا، وَلِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ أَخْذِ هَذَا الْمَالِ بِشَرْطَيْنِ، (أَحَدُهُمَا): قِيَامُ مِلْكِهِ فِي رَقَبَةِ الدَّافِعِ فِي الْحَالِ.

(وَالثَّانِي): فَرَاغُ ذِمَّةِ الدَّافِعِ عَنْ دَيْنِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ فِي كَسْبِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى، وَالْمُودَعُ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِي إثْبَاتِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْوَدِيعَةَ كَسْبُ الْعَبْدِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَلَعَلَّهَا كَانَتْ وَدِيعَةً فِي يَدِهِ لِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَ هَذَا لِإِيضَاحِ مَا سَبَقَ أَنَّ الْمُودَعَ رَدَّ الْوَدِيعَةَ إلَى مَنْ أَخَذَهَا مِنْهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ طَلَبُ الْمَالِكِ لِيَرُدَّهَا عَلَيْهِ، فَإِنَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَلْزَمُهُ رَدُّهَا إلَى الْعَبْدِ إذَا حَضَرَ، وَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهَا عَلَى مَالِكِهَا.

(وَإِذَا) مَاتَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ: فَالْوَارِثُ خَصْمٌ فِي طَلَبِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>