الْمُوَالَاةِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَوُّلِ مَا لَمْ يَتَأَكَّدْ بِعَقْلِ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَهُ، وَقَالَ فُلَانٌ: مَا أَعْتَقْتُك وَلَا أَعْرِفُك فَأَقَرَّ أَنَّهُ مَوْلًى لِآخَرَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِمَا اعْتِبَارًا لِلْوَلَاءِ بِالنَّسَبِ، وَفِي النَّسَبِ فِي نَظِيرِهِ خِلَافٌ ظَاهِرٌ مِنْهُمْ فَكَذَلِكَ فِي الْوَلَاءِ.
وَإِذَا مَاتَ رَجُلٌ، وَادَّعَى رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ أَعْتَقَهُ، وَصَدَّقَ بَعْضُ أَوْلَادِهِ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ أَحَدَهُمَا، وَصَدَّقَ الْبَاقُونَ الْآخَرَ، فَكُلُّ مَوْلًى لِلَّذِي صَدَّقَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوْلَادَ الْبَالِغِينَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَصْلٌ فِي مُبَاشَرَةِ الْوَلَاءِ عَلَى نَفْسِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، فَكَذَلِكَ إقْرَارُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْوَلَاءِ لِلَّذِي صَدَّقَهُ صَحِيحٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمُرْجِعُ وَالْمَآبُ.
[بَابُ عِتْقِ مَا فِي الْبَطْنِ]
(قَالَ): - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجُلٌ قَالَ لِأَمَتِهِ: مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ، ثُمَّ قَالَ: إنْ حَبِلْتِ فَسَالِمٌ حُرٌّ فَوَلَدَتْ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ، فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمَوْلَى لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْوَلَدُ مَوْجُودًا فِي الْبَطْنِ وَقْتَ الْإِيجَابِ، فَإِنَّمَا يُعْتَقُ هَذَا، أَوْ كَانَ مِنْ حَبَلٍ حَادِثٍ فَإِنَّمَا يُعْتَقُ سَالِمٌ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْعُلُوقَ إنَّمَا يَسْتَنِدُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إثْبَاتُ عِتْقٍ بِالشَّكِّ، فَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهِ إثْبَاتُ عِتْقٍ بِالشَّكِّ فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْيَقِينُ؛ لِأَنَّ بِالشَّكِّ لَا يَزُولُ وَهُنَا تَيَقَّنَّا بِحُرِّيَّةِ أَحَدِهِمَا فَالْبَيَانُ فِيهِ إلَى الْمَوْلَى، كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدَيْنِ لَهُ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ. فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا يَوْمئِذٍ فَهَذَا مِنْهُ إقْرَارٌ بِعِتْقِ الْوَلَدِ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ حَبَلٌ مُسْتَقْبَلٌ عَتَقَ سَالِمٌ لِإِقْرَارِهِ بِهِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ عَتَقَ سَالِمٌ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّهُ مِنْ عُلُوقٍ حَادِثٍ.
رَجُلٌ أَوْصَى بِمَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ لِرَجُلٍ فَأَعْتَقَهُ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَإِنَّ عِتْقَهُ جَائِزٌ وَهُوَ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ، فَكَمَا أَنَّ الْجَنِينَ يُمْلَكُ بِالْإِرْثِ فَكَذَلِكَ بِالْوَصِيَّةِ، وَعِتْقُ الْمُوصَى لَهُ فِي مِلْكِهِ نَافِذٌ، فَإِنْ ضَرَبَ إنْسَانٌ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَفِيهِ مَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ، وَهُوَ مِيرَاثٌ لِمَوْلَاهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ؛ لِأَنَّ بَدَلَ نَفْسِ الْجَنِينِ مَوْرُوثٌ عَنْهُ، وَأَبَوَاهُ مَمْلُوكَانِ فَكَانَ مِيرَاثًا لِمَوْلَاهُ، وَلَوْ أَوْصَى بِمَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ لِفُلَانٍ فَأَعْتَقَهُ الْمُوصَى لَهُ بِهِ، وَأَعْتَقَ الْوَارِثُ الْأَمَةَ، وَأَعْتَقَ مَوْلَى الزَّوْجِ زَوْجَ الْأَمَةِ فَوَلَاءُ الْوَلَدِ لِلْمُوصِي؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ بِالْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ، فَإِنْ ضَرَبَ إنْسَانٌ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَفِيهِ مَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ مِيرَاثًا لِأَبَوَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا حُرَّانِ عِنْدَ وُجُوبِ بَدَلِ نَفْسِ الْجَنِينِ فَإِنْ كَانَا أَعْتَقَا بَعْدَ الضَّرْبَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute