للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بَابُ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَالْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ ادَّعَى رَجُلٌ قِبَلَ رَجُلٍ دَعْوَى وَأَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ وَوَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ ضَامِنًا لِمَا ثَبَتَ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ صَاحِبِ الْحَقِّ التَّوَثُّقُ بِحَقِّهِ. وَتَمَامُ التَّوَثُّقِ يَكُونُ بِهَذَا فَإِنَّ الْمَكْفُولَ بِنَفْسِهِ رُبَّمَا لَا يَأْتِي بِالْكَفِيلِ، وَيُخْفِي شَخْصَهُ فَيَتَعَذَّرُ عَلَى الطَّالِبِ إثْبَاتُ حَقِّهِ وَلَا يَتَوَصَّلُ إلَى حَبْسِ الْكَفِيلِ، وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا فِي خُصُومَتِهِ يُمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِ حَقِّهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَبَعْدَ الْإِثْبَاتِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْوَكِيلَ بِأَدَاءِ الْمَالِ وَرُبَّمَا لَا يَظْفَرُ الْوَكِيلُ بِالْأَصِيلِ فَإِذَا كَانَ ضَامِنًا لِمَا ذَابَ عَلَيْهِ تَوَصَّلَ إلَى اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِنْهُ فَعَرَفْنَا أَنَّ تَمَامَ التَّوَثُّقِ بِهَا يَحْصُلُ فَلِهَذَا جَوَّزْنَاهُ. وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الضَّمَانُ لَا يَجُوزُ (وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ) أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ مُضَافًا إلَى سَبَبِ وُجُوبِهِ يَجُوزُ عِنْدنَا نَحْوَ أَنْ يَقُولَ: مَا ذَابَ لَك عَلَى فُلَانٍ فَهُوَ عَلَيَّ أَوْ مَا بَعَثَ بِهِ فُلَانًا فَهُوَ عَلَيَّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمَالَ بِالْعَقْدِ فَلَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ كَالِالْتِزَامِ بِالشِّرَاءِ؛ وَلِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى وَقْتٍ فِي مَعْنَى التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ. وَالْتِزَامُ الْمَالِ بِالْكَفَالَةِ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ حَتَّى لَوْ عُلِّقَ بِدُخُولِ الدَّارِ وَكَلَامِ زَيْدٍ؛ لَمْ يَصِحَّ. فَكَذَلِكَ إذَا أَضَافَهُ إلَى وَقْتٍ. تَوْضِيحُهُ: أَنَّ عِنْدَكُمْ لَوْ أَضَافَ الْكَفَالَةَ إلَى مَوْتِ الْمَطْلُوبِ؛ كَانَ صَحِيحًا وَلَوْ أَضَافَهَا إلَى مَوْتِ غَيْرِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ.

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْتَيْنِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَائِنٌ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْحَالِ ثُمَّ جَهَالَةُ الْمَكْفُولِ عَنْهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ بِأَنْ يَقُولَ: مَا بَايَعْت بِهِ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ. فَكَذَلِكَ جَهَالَةُ الْمَكْفُولِ بِهِ تَمْنَعُ صِحَّتَهُ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُلْتَزَمَ بِالْعَقْدِ هُوَ الْمَكْفُولُ بِهِ. وَحُجَّتُنَا قَوْله تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: ٧٢] فَهَذَا الْمُنَادِي أَضَافَ الِالْتِزَامَ بِالْكَفَالَةِ إلَى سَبَبِ وُجُوبِ الْمَالِ وَهُوَ الْمَجِيءُ بِصُوَاعِ الْمَلِكِ وَإِنَّمَا نَادَى بِأَمْرِ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَمَا أَخْبَرَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ شَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَنَا: فَهُوَ ثَابِتٌ فِي شَرِيعَتِنَا حَتَّى يَقُومَ دَلِيلُ النُّسَخِ غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: هُنَا بَيَانُ الْعِمَالَةِ لِمَنْ يَأْتِي بِهِ وَعِنْدِي مَنْ أَبَقَ عَبْدُهُ فَخَاطَبَ جَمَاعَةً وَقَالَ: مَنْ جَاءَ بِهِ مِنْكُمْ فَلَهُ عَشَرَةٌ كَانَ هَذَا صَحِيحًا وَلَكِنَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>