سَبَقَ أَوْرَدَ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ إذَا اُضْطُرَّ إلَى مَيْتَةٍ أَوْ صَيْدٍ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَتَنَاوَلُ مِنْ هَذَا الصَّيْدِ، وَيُؤَدِّي الْجَزَاءَ، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَتَنَاوَلُ مِنْ الْمَيْتَةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَ الصَّيْدَ صَارَ مَيْتَةً فَيَكُونُ جَامِعًا بَيْنَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ، وَقَتْلِ الصَّيْدِ، وَلَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا غُنْيَةٌ بِأَنْ يَتَنَاوَلَ الْمَيْتَةَ، وَلَكِنَّا نَقُولُ حُرْمَةُ الْمَيْتَةِ أَغْلَطُ أَلَا تَرَى أَنَّ حُرْمَةَ الصَّيْدِ تَرْتَفِعُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْإِحْرَامِ، وَحُرْمَةَ الْمَيْتَةِ لَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَحَرَّزَ عَنْ أَغْلَظِ الْحُرْمَتَيْنِ بِالْإِقْدَامِ عَلَى أَهْوَنِهِمَا، وَقَتْلُ الصَّيْدِ وَإِنْ كَانَ مَحْظُورَ الْإِحْرَامِ وَلَكِنَّهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لَا بَأْسَ بِهِ كَالْحَلْقِ عِنْدَ الْأَذَى فَلِهَذَا يَقْتُلُ الصَّيْدَ، وَيَتَنَاوَلُ مِنْ لَحْمِهِ، وَيُؤَدِّي الْجَزَاءَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
[بَابُ الْمُحْصَرِ]
(بَابُ الْمُحْصَرِ) (قَالَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْأَصْلُ فِي حُكْمِ الْإِحْصَارِ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: ١٩٦] أَيْ مُنِعْتُمْ مِنْ إتْمَامِهِمَا {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] شَاةٍ تَبْعَثُونَهَا إلَى الْحَرَمِ لِتُذْبَحَ ثُمَّ تَحْلِقُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦] فَعَلَى الْمُحْصَرِ إذَا كَانَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ أَنْ يَبْعَثَ بِثَمَنِ هَدْيٍ يُشْتَرَى لَهُ بِمَكَّةَ فَيُذْبَحَ عَنْهُ يَوْمَ النَّحْرِ فَيُحِلُّ عَنْ إحْرَامِهِ، وَهَذَا قَوْلُ عُلَمَائِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ هَدْيَ الْإِحْصَارِ مُخْتَصٌّ بِالْحَرَمِ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ، وَلَكِنْ يُذْبَحُ الْهَدْيُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُحْصَرُ فِيهِ، وَحُجَّتُهُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ مَعَ أَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُعْتَمِرًا فَأُحْصِرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ فَذَبَحَ هَدَايَاهُ وَحَلَقَ بِهَا، وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يَعُودَ مِنْ قَابِلٍ فَيُخْلُوا لَهُ مَكَّةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِغَيْرِ سِلَاحٍ فَيَقْضِي عُمْرَتَهُ» فَإِنَّمَا «نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْهَدْيَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أُحْصِرَ فِيهِ»، وَلِأَنَّهُ لَوْ بَعَثَ بِالْهَدْيِ لَا يَأْمَنُ أَنْ لَا يَفِيَ الْمَبْعُوثُ عَلَى يَدِهِ أَوْ يَهْلِكَ الْهَدْيُ فِي الطَّرِيقِ، وَإِذَا ذَبَحَهُ فِي مَوْضِعِهِ يُتَيَقَّنُ بِوُصُولِ الْهَدْيِ إلَى مَحِلِّهِ، وَخُرُوجِهِ مِنْ الْإِحْرَامِ بَعْدَ إرَاقَةِ دَمِهِ فَكَانَ هَذَا أَوْلَى، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦] وَالْمُرَادُ بِهِ الْحَرَمُ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٣٣] بَعْدَمَا ذَكَرَ الْهَدَايَا وَلِأَنَّ التَّحَلُّلَ بِإِرَاقَةِ دَمٍ هُوَ قُرْبَةٌ وَإِرَاقَةُ الدَّمِ لَا يَكُونُ قُرْبَةً إلَّا فِي مَكَان مَخْصُوصٍ، وَهُوَ الْحَرَمُ أَوْ زَمَانٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ فَفِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ لَا تَكُونُ قُرْبَةً، وَنَقِيسُ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute