للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدَّمَ بِدَمِ الْمُتْعَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَحَلَّلَ بِهِ عَنْ الْإِحْرَامِ، وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ فَكَذَا هَذَا، وَأَمَّا مَا رُوِيَ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي نَحْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْهَدَايَا حِينَ أُحْصِرَ فَرُوِيَ «أَنَّهُ بَعَثَ الْهَدَايَا عَلَى يَدَيْ نَاجِيَةَ لِيَنْحَرَهَا فِي الْحَرَمِ حَتَّى قَالَ نَاجِيَةُ: مَاذَا أَصْنَعُ فِيمَا يَعْطَبُ مِنْهَا؟ قَالَ انْحَرْهَا وَاصْبُغْ نَعْلَهَا بِدَمِهَا، وَاضْرِبْ بِهَا صَفْحَةَ سَنَامِهَا، وَخَلِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ، وَلَا تَأْكُلْ أَنْتَ وَلَا رُفْقَتُك مِنْهَا شَيْئًا»، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَقْرَبُ إلَى مُوَافَقَةِ الْآيَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: ٢٥] فَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ إنْ صَحَّتْ فَنَقُولُ: الْحُدَيْبِيَةُ مِنْ الْحَرَمِ فَإِنَّ نِصْفَهَا مِنْ الْحِلِّ وَنِصْفَهَا مِنْ الْحَرَمِ الْحَرَمِ، وَمَضَارِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ فِي الْحِلِّ، وَمُصَلَّاهُ كَانَ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّمَا سِيقَتْ الْهَدَايَا إلَى جَانِبِ الْحَرَمِ مِنْهَا، وَنُحِرَتْ فِي الْحَرَمِ فَلَا يَكُونُ لِلْخَصْمِ فِيهِ حُجَّةٌ، وَقِيلَ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مَخْصُوصًا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَجِدُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَنْ يَبْعَثُ الْهَدَايَا عَلَى يَدِهِ إلَى الْحَرَمِ.

(قَالَ) ثُمَّ إذَا بَعَثَ الْهَدْيَ إلَى الْحَرَمِ فَذُبِحَ عَنْهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ حَلْقٌ، وَلَا تَقْصِيرٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْحَلْقُ نُسُكٌ فَعَلَى الْمُحْصَرِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ ثُمَّ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ هَكَذَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَمَّا قَضَاءُ الْحَجِّ فَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَقَدْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ حِينَ لَمْ تَصِرْ مُؤَدَّاةً، وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِحَجَّةِ التَّطَوُّعِ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا عِنْدَنَا لِأَنَّهُ صَارَ خَارِجًا مِنْهَا بَعْدَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ قَبْلَ أَدَائِهَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَهُوَ نَظِيرُ الشَّارِعِ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ إذَا أَفْسَدَهُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ، وَأَمَّا قَضَاءُ الْعُمْرَةِ فَلِأَنَّهُ صَارَ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ حِينَ كَانَ خُرُوجُهُ بَعْدَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ قَبْلَ أَدَاءِ الْأَعْمَالِ، وَعَلَى فَائِتِ الْحَجِّ أَعْمَالُ الْعُمْرَةِ فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِهَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْعُمْرَةِ أَيْضًا.

(قَالَ) وَإِذَا بَعَثَ بِالْهَدْيِ فَإِنْ شَاءَ أَقَامَ مَكَانَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ مَمْنُوعًا مِنْ الذَّهَابِ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْمُقَامِ وَالِانْصِرَافِ، وَهَذَا إذَا كَانَ مُحْصَرًا بِعَدُوٍّ فَإِنْ كَانَ مُحْصَرًا بِمَرَضٍ أَصَابَهُ فَعِنْدَنَا هُوَ وَالْمُحْصَرُ بِالْعَدُوِّ سَوَاءٌ يَتَحَلَّلُ بِبَعْثِ الْهَدْيِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَيْسَ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَتَحَلَّلَ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ ذَلِكَ عِنْدَ إحْرَامِهِ، وَلَكِنَّهُ يَصْبِرُ إلَى أَنْ يَبْرَأَ فَإِنَّ هَذَا حُكْمٌ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَالْآيَةُ فِي الْإِحْصَارِ بِالْعَدُوِّ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٦]، وَكَذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحْصَرًا بِالْعَدُوِّ فَفِيمَا لَمْ يَرِدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>