الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْحَلِفُ بِطَلَاقِهَا، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ بِدُونِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمِلْكِ، فَلِهَذَا لَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةً.
وَلَوْ قَالَ: عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت لَا يُعْتَقُ عَبْدُهُ، وَلَيْسَ هَذَا بِيَمِينٍ، وَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ صُورَةً بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: أَمْرُكِ بِيَدِكِ أَوْ اخْتَارِي، فَقَدْ خَيَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِسَاءَهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُنَّ - مَعَ نَهْيِهِ عَنْ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمَشِيئَةِ مِنْهَا فِي الْمَجْلِسِ، وَلَوْ كَانَ يَمِينًا لَمْ يَتَوَقَّفْ بِالْمَجْلِسِ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: إذَا حِضْت حَيْضَةً لَمْ يُعْتَقْ عَبْدُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا تَفْسِيرٌ لِطَلَاقِ السُّنَّةِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُعْتَقُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِإِيقَاعٍ لِطَلَاقِ السُّنَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ جَامَعَهَا فِي الْحَيْضِ، ثُمَّ طَهُرَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَ هَذَا كَقَوْلِهِ لِلسُّنَّةِ لَمْ يَقَعْ، قُلْنَا: هُوَ سُنِّيٌّ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَحْنَثُ بِالْحَيْضِ وَتَطْلُقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً، وَأَمَّا إذَا قَالَ لَهَا: إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ عَتَقَ عَبْدُهُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يُعْتَقُ قَالَ: لِأَنَّ الْحَالِفَ يَكُونُ مَانِعًا نَفْسَهُ مِنْ إيجَادِ الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْكَلَامُ يَمِينًا بِذِكْرِ شَرْطٍ يُتَصَوَّرُ الْمَنْعُ عَنْهُ، فَأَمَّا بِذِكْرِ شَرْطٍ لَا يُتَصَوَّرُ الْمَنْعُ عَنْهُ لَا يَصِيرُ حَالِفًا بِطَلَاقِهَا فَلَا يُعْتَقُ عَبْدُهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْكَلَامُ يُعْرَفُ بِصِيغَتِهِ، وَقَدْ وُجِدَ صِيغَةُ الْيَمِينِ بِذِكْرِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَلَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَكَانَ يَمِينًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا؛ لِأَنَّهُ مَا ذَكَرَ الشَّرْطَ وَالْجَزَاءَ، إنَّمَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى وَقْتٍ، وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت أَوْ إذَا حِضْت حَيْضَةً؛ لِأَنَّهُ غَلَبَ عَلَيْهِ مَعْنًى آخَرُ كَمَا بَيَّنَّا، وَبِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي وُسْعِهِ مَنْعُ هَذَا الشَّرْطِ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ يَمِينًا، كَمَا لَوْ جَعَلَ الشَّرْطَ فِعْلَ إنْسَانٍ آخَرَ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
[بَابُ الْمُسَاكَنَةِ]
(قَالَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَإِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَسَاكَنَهُ فِي دَارِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَقْصُورَةٍ عَلَى حِدَةٍ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْمُسَاكَنَةَ عَلَى مِيزَانِ الْمُفَاعَلَةِ، فَشَرْطُ حِنْثِهِ وُجُودُ السُّكْنَى مَعَ فُلَانٍ، وَالسُّكْنَى الْمُكْثُ فِي مَكَان عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْرَارِ وَالدَّوَامِ، فَتَكُونُ الْمُسَاكَنَةُ بِوُجُودِ هَذَا الْفِعْلِ مِنْهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْمُخَالَطَةِ وَالْمُقَارَنَةِ، وَذَلِكَ إذَا سَكَنَا بَيْتًا وَاحِدًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute