أَوْ سَكَنَا فِي دَارٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي بَيْتٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الدَّارِ مَسْكَنٌ وَاحِدٌ، فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الدَّارِ مَقَاصِيرُ وَحُجَرُ، فَكُلُّ مَقْصُورَةٍ مَسْكَنٌ عَلَى حِدَةٍ، فَلَا يَكُونُ هُوَ مُسَاكِنًا فُلَانًا فَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ سَكَنَا فِي مَحَلَّةٍ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ أَنَّ الدَّارَ الَّتِي تَشْتَمِلُ عَلَى الْمَقَاصِيرِ، كُلُّ مَقْصُورَةٍ مِنْهَا حِرْزٌ عَلَى حِدَةٍ، حَتَّى لَوْ أَخْرَجَ السَّارِقُ الْمَتَاعَ مِنْ مَقْصُورَةٍ، فَأَخَذَ فِي صَحْنِ الدَّارِ يُقْطَعُ، وَلَوْ سَرَقَ مَنْ يَسْكُنُ إحْدَى الْمَقْصُورَتَيْنِ مِنْ الْمَقْصُورَةِ الْأُخْرَى يُقْطَعُ، وَالدَّارُ الَّتِي تَشْتَمِلُ عَلَى بُيُوتٍ حِرْزٌ وَاحِدٌ حَتَّى لَوْ أَخْرَجَ السَّارِقُ الْمَتَاعَ مِنْ بَيْتٍ، وَأَخَذَ فِي صَحْنِ الدَّارِ لَا يُقْطَعُ، وَمَنْ كَانَ مَأْذُونًا فِي الدُّخُولِ فِي أَحَدِ الْبُيُوتِ مِنْ الدَّارِ إذَا سَرَقَ مِنْ الْبَيْتِ الْآخَرِ لَا يُقْطَعُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ كَبِيرَةً نَحْوَ دَارِ الْوَلِيدِ بِالْكُوفَةِ، وَنَظِيرُهُ دَارُ نُوحٍ بِبُخَارَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَلَّةِ.
فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّارُ تَشْتَمِلُ عَلَى مَقَاصِيرَ، أَوْ عَلَى بُيُوتٍ؛ لِأَنَّ فِي عُرْفِ النَّاسِ هَذَا مَسْكَنٌ وَاحِدٌ وَيُعَدُّ الْحَالِفُ مُسَاكِنًا لِصَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَقْصُورَةٍ، وَإِنْ كَانَ نَوَى حِينَ حَلَفَ أَنْ لَا يُسَاكِنَهُ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، أَوْ فِي حُجْرَةٍ أَوْ فِي مَنْزِلٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَكُونَا فِيهِ جَمِيعًا لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يُسَاكِنَهُ فِيمَا نَوَى؛ لِأَنَّ الْمَنْوِيَّ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ، (فَإِنْ قِيلَ): الْمَسْكَنُ لَيْسَ فِي لَفْظِهِ، فَكَيْفَ تَعْمَلُ نِيَّتُهُ فِي تَخْصِيصِ الْمَسْكَنِ، وَنِيَّةُ التَّخْصِيصِ فِيمَا لَا لَفْظَ لَهُ بَاطِلٌ؟ (قُلْنَا): نَحْنُ لَا نَعْتَبِرُ تَخْصِيصَ الْمَسْكَنِ حَتَّى لَوْ نَوَى شَيْئًا بِعَيْنِهِ، لَا تُعْمَلُ نِيَّتُهُ، وَلَكِنَّ الْفِعْلَ يَقْتَضِي الْمَصْدَرَ لَا مَحَالَةَ، فَبِذِكْرِ الْفِعْلِ يَصِيرُ الْمَصْدَرُ كَالْمَذْكُورِ لُغَةً، وَهُوَ إنَّمَا نَوَى أَكْمَلَ مَا يَكُونُ مِنْ السُّكْنَى؛ لِأَنَّ أَكْمَلَ ذَلِكَ أَنْ يَجْمَعَهَا بَيْتٌ وَاحِدٌ، وَمَا دُونَ هَذَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِهَذَا يَكُونُ قَاصِرًا، فَيَكُونُ هَذَا مِنْهُ نِيَّةَ نَوْعٍ مِنْ السُّكْنَى، وَذَلِكَ صَحِيحٌ، نَظِيرُهُ مَا قَالَ فِي الْجَامِعِ: إنْ خَرَجْت وَنَوَى السَّفَرَ تَعْمَلُ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى نَوْعًا مِنْ الْخُرُوجِ، وَالْخُرُوجُ الَّذِي هُوَ مَصْدَرٌ كَالْمَذْكُورِ بِذِكْرِ الْفِعْلِ فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ فِي نَوْعٍ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْخُرُوجَ إلَى بَغْدَادَ؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ لَيْسَ فِي لَفْظِهِ فَلَا تَعْمَلُ نِيَّتُهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ نَوَى أَنْ لَا يُسَاكِنَهُ فِي مَدِينَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ، وَسَمَّى ذَلِكَ، فَإِنْ سَاكَنَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَنِثَ، وَلَا تَكُونُ الْمُسَاكَنَةُ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَسْكُنَا بَيْتًا وَاحِدًا أَوْ دَارًا وَاحِدَةً مِنْ دَارِ الْبَلْدَةِ أَوْ الْقَرْيَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُسَاكَنَةَ فِعْلٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُخَالَطَةِ وَالْمُقَارَنَةِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ، وَفَائِدَةُ تَخْصِيصِهِ الْبَلْدَةَ أَوْ الْقَرْيَةَ إخْرَاجُ سَائِرِ الْمَوَاضِعِ عَنْ يَمِينِهِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute