للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: فَإِذَا لَحِقَ الْعَبْدَ دَيْنٌ فَقَالَ مَوْلَاهُ: هُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْغُرَمَاءُ: هُوَ مَأْذُونٌ لَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ، وَهُوَ الْحَجْرُ بِسَبَبِ الرِّقِّ؛ وَلِأَنَّ الْغُرَمَاءَ يَدَّعُونَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ اسْتِحْقَاقِ كَسْبِهِ، وَمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ، وَالْمَوْلَى يُنْكِرُ ذَلِكَ فَعَلَيْهِمْ إثْبَاتُ هَذَا السَّبَبِ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنْ جَاءُوا بِشَاهِدَيْنِ عَلَى الْإِذْنِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَوْلَاهُ أَذِنَ لَهُ فِي شِرَاءِ الْبَزِّ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي شِرَاءِ الطَّعَامِ فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ غَيْرِ هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ إنَّمَا هُوَ أَصْلُ الْإِذْنِ فَأَمَّا هَذَا التَّقَيُّدُ بِالْبَزِّ وَالطَّعَامِ فَلَغْوٌ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ، وَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَالْمَشْهُودُ بِهِ فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي شِرَاءِ الْبَزِّ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ رَآهُ يَشْتَرِي الْبَزَّ فَلَمْ يَنْهَهُ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا شَهِدَ بِمُعَايَنَةِ فِعْلٍ وَالْآخَرُ شَهِدَ بِقَوْلٍ.

وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ رَآهُ يَشْتَرِي الْبَزَّ فَلَمْ يَنْهَهُ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ رَآهُ يَشْتَرِي الطَّعَامَ فَلَمْ يَنْهَهُ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَهِدَ بِمُعَايَنَةِ فِعْلٍ غَيْرِ الْفِعْلِ الَّذِي شَهِدَ الْآخَرُ بِمُعَايَنَتِهِ فَلَمْ يَثْبُتْ بِمَا شَهِدَ بِمُعَايَنَةِ كُلِّ فِعْلٍ إلَّا شَاهِدٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ رَآهُ يَشْتَرِي الْبَزَّ فَلَمْ يَنْهَهُ كَانَ الشِّرَاءُ جَائِزًا، وَكَانَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الشَّهَادَةِ بِمُعَايَنَةِ فِعْلٍ وَاحِدٍ وَالثَّابِتُ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَلَوْ عَايَنَا الْمَوْلَى رَآهُ يَبِيعُ الْبَزَّ فَلَمْ يَنْهَهُ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا فَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ الشَّاهِدَانِ بِذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْمَأْذُونِ وَمَوْلَاهُ]

(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ فِي يَدِهِ مَالٌ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَالَ: هُوَ مَالِي وَقَالَ مَوْلَاهُ: بَلْ هُوَ مَالِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ فِي كَسْبِهِ مُعْتَبَرَةٌ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَالْمَوْلَى مَمْنُوعٌ مِنْ أَخْذِ مَا فِي يَدِهِ لِحَقِّهِمْ.

فَيَكُونُ الْمَالُ فِي يَدِهِ كَكَوْنِهِ فِي يَدِ غُرَمَائِهِ؛ لِأَنَّ انْفِكَاكَ الْحَجْرِ عَنْهُ بِالْإِذْنِ بِمَنْزِلَةِ انْفِكَاكِ الْحَجْرِ عَنْهُ بِالْعِتْقِ أَوْ بِالْكِتَابَةِ إلَّا أَنَّ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَهُ الدَّيْنُ مَا كَانَتْ لَازِمَةً وَبِلُحُوقِ الدَّيْنِ إيَّاهُ صَارَتْ لَازِمَةً فَالْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْمَوْلَى فِيمَا فِي يَدِهِ كَالْمُنَازَعَةِ بَيْنَ الْمَوْلَى وَمُكَاتَبِهِ فِيمَا فِي يَدِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ الْمَوْلَى، وَفِي يَدِ الْعَبْدِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مِنْ كَسْبِ عَبْدِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ، وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي دَعْوَى الْيَدِ، وَالْعَيْنُ ظَهَرَتْ فِي يَدَيْهِمَا فَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمَوْلَى وَيَدِ الْعَبْدِ وَيَدِ أَجْنَبِيٍّ فَادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَهُوَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَبْدِ فِيهِ كَيَدِ غَرِيمِهِ فَتَكُونُ مُعَارِضَةً لِيَدِ الْمَوْلَى وَيَدِ الْأَجْنَبِيِّ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>