فِي الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ.
وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ كُرَّ حِنْطَةٍ قِيمَتُهُ ثَلَاثُونَ دِرْهَمًا مِنْ مَرِيضٍ، ثُمَّ مَاتَ الْبَائِعُ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُ الْكُرِّ، قَدْ بَاعَهُ مِنْ إنْسَانٍ آخَرَ بِعَشَرَةٍ أَيْضًا، فَالْأَوَّلُ أَوْلَى بِالْبَيْعِ، وَالْمُحَابَاةُ لَهُ دُونَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمُحَابَاةِ فِي ضِمْنِ الْبَيْعِ، وَالْبَيْعُ مِنْ الثَّانِي بَاطِلٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُ كُرٌّ آخَرُ فَبَاعَهُ فِي مَرَضِهِ مِنْ إنْسَانٍ آخَرَ وَحَابَاهُ فِيهِ، ثُمَّ مَاتَ تَحَاصَّا فِي الثُّلُثِ فَمَا أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ فِي الْكُرِّ الَّذِي اشْتَرَى وَيَرُدُّونَ مَا بَقِيَ مِنْ قِيمَةِ الْكُرَّيْنِ دَرَاهِمَ عَلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ يُمْكِنُ إزَالَةُ الْمُحَابَاةِ بِالزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ مَوْتِ الْبَائِعِ، فَإِنْ قَبَضَ الثَّمَنَ قَبْلَ مَوْتِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بِخِلَافِ السَّلَمِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ هِبَةِ الْمَرِيضِ الْعَبْدَ يَقْتُلُهُ خَطَأً وَيَعْفُ عَنْهُ]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا وَهَبَ الْمَرِيضُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَبْدًا لِرَجُلٍ قِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَقَبَضَهُ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ، ثُمَّ إنَّ الْعَبْدَ قَتَلَ الْوَاهِبَ خَطَأً فَعَفَا عَنْهُ الْوَاهِبُ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ: ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ، فَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ دَفَعَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ، وَجَازَ لَهُ الْخُمْسُ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْهِبَةِ، وَالْعَفْوِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصِيَّةٌ تَجُوز مِنْ الثُّلُثِ، فَحَقُّ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِاعْتِبَارِ الْهِبَةِ فِي سَهْمٍ، ثُمَّ لَوْلَا الْعَفْوُ لَكَانَ يَدْفَعُ ذَلِكَ السَّهْمَ فَيَسْلَمُ لَهُ ذَلِكَ السَّهْمُ بِالْعَفْوِ، فَحَقُّ الْوَرَثَةِ فِي أَرْبَعَةٍ لَمَّا نَفَّذْنَا الْوَصِيَّةَ لَهُ فِي سَهْمَيْنِ: سَهْمٌ بِالْعَفْوِ وَسَهْمٌ بِالْهِبَةِ؛ فَلِهَذَا يَكُونُ الْعَبْدُ عَلَى خَمْسَةٍ، تَجُوزُ الْهِبَةُ فِي سَهْمٍ، ثُمَّ يَجُوزُ الْعَفْوُ فِي ذَلِكَ السَّهْمِ فَيَكُونُ ذَلِكَ السَّهْمُ بِمَعْنَى سَهْمَيْنِ، وَيَصِيرُ كَأَنَّ الْمَيِّتَ إنَّمَا تَرَكَ عَبْدًا وَخُمْسَيْ عَبْدٍ فَيَسْلَمُ لِلْوَرَثَةِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ عَبْدٍ وَيَسْلَمُ لِلْمُوصَى لَهُ خُمْسَا عَبْدٍ فِي الْحُكْمِ، فَيَسْتَقِيمُ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ.
وَعَلَى طَرِيقِ الْجَبْرِ يَجْعَلُ الْعَبْدَ مَالًا وَتَجُوزُ الْهِبَةُ فِي شَيْءٍ، ثُمَّ يَجُوزُ الْعَفْوُ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ يَبْقَى فِي يَدِ الْوَرَثَةِ مَالٌ إلَّا شَيْئًا، وَذَلِكَ يَعْدِلُ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ؛ لِأَنَّا جَوَّزْنَا الْهِبَةَ فِي شَيْءٍ، وَالْعَفْوَ فِي شَيْءٍ فَحَاجَةٌ الْوَرَثَةِ إلَى ضِعْفِ ذَلِكَ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ، فَأَجْبِرْ الْمَالَ بِشَيْءٍ، وَزِدْ عَلَى مَا يَعْدِلُهُ مِثْلَهُ، فَظَهَرَ أَنَّ الْمَالَ الْكَامِلَ يَعْدِلُ خَمْسَةَ أَشْيَاءَ، وَأَنَّا حِينَ جَوَّزَنَا الْهِبَةَ فِي شَيْءٍ كَانَ ذَلِكَ بِمَعْنَى خُمْسِ الْعَبْدِ وَجَوَّزْنَا الْعَفْوَ فِيهِ أَيْضًا، وَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَدَى ثُلُثَهُ بِثُلُثِ الدِّيَةِ وَيَسْلَمُ لَهُ الْعَبْدُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعَفْوُ دُونَ الْهِبَةِ لَكَانَ يَفْدِي سُدُسَ الْعَبْدِ بِالطَّرِيقِ الَّذِي قُلْنَا: إنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْمَيِّتِ أَلْفَا دِرْهَمٍ جَازَ الْعَفْوُ فِي جَمِيعِ الْعَبْدِ، فَيَضُمُّ الْأَلْفَيْنِ إلَى الدِّيَةِ، ثُمَّ يَجُوزُ الْعَفْوُ فِي مِقْدَارِ الدِّيَةِ وَيَبْطُلُ الْعَفْوُ فِي حِصَّةِ الْأَلْفَيْنِ، وَذَلِكَ سُدُسُ الْجُمْلَةِ فَيَفْدِيهِ بِسُدُسِ الدِّيَةِ، فَإِذَا اجْتَمَعَتْ الْهِبَةُ، وَالْعَفْوُ يَتَضَاعَفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute