للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بَابُ الْإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَرِيضِ]

(بَابُ الْإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَرِيضِ) (قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَكَانَ قَدْرُ الثُّلُثِ فِي حَقِّ الْوَارِثِ بِمَنْزِلَةِ مَا زَادَ عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ إقْرَارَهُ بِالْوَارِثِ صَحِيحٌ فَكَذَلِكَ إقْرَارُهُ لِلْوَارِثِ)؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْإِقْرَارَيْنِ إصْرَارٌ بِالْوَارِثِ الْمَعْرُوفِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ» وَلَا الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ سَائِرَةٌ غَيْرُ مَشْهُورَةٍ، وَإِنَّمَا الْمَشْهُورُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِمَا رَوَيْنَا، وَقَوْلُ الْوَاحِدِ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عِنْدَنَا مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ آثَرَ بَعْضَ وَرَثَتِهِ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ كَمَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ، وَهَذَا لِأَنَّ مَحَلَّ الْوَصِيَّةِ هُوَ الثُّلُثُ فَإِنَّهُ خَالِصُ حَقِّ الْمَيِّتِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ فِي آخِرِ أَعْمَارِكُمْ زِيَادَةً عَلَى أَعْمَالِكُمْ» ثُمَّ لَمْ يُجِزْ وَصِيَّتَهُ بِهِ لِلْوَارِثِ مَعَ أَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَنْ اتِّصَالِ الْمَنْفَعَةِ إلَى الْوَارِثِ وَإِقْرَارُ الْمَحْجُورِ لَا يَصِحُّ كَإِقْرَارِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إلَّا أَنَّ هَذَا الْحَجْرَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، فَإِذَا صَدَّقُوهُ نَفَذَ كَمَا إذَا أَجَازُوا وَصِيَّتَهُ

تَوْضِيحُهُ أَنَّ جَمِيعَ الْمَالِ مَحَلُّ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ كَمَا أَنَّ الثُّلُثَ مَحَلُّ الْوَصِيَّةِ، ثُمَّ لَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُهُ مَعَ الْوَارِثِ بِالْوَصِيَّةِ فِي مَحَلِّهَا. وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ مَعَ الْوَارِثِ بِالْإِقْرَارِ فِي مَالِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ قَدْ تَعَلَّقَ بِمَا لَهُ بِمَرَضِهِ فَيَكُونُ إقْرَارُهُ لِبَعْضِهِمْ إيثَارًا مِنْهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ بَعْدَ مَا تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ جَمِيعًا بِهِ فَلَا يَصِحُّ وَيُجْعَلُ إقْرَارُهُ مَحْمُولًا عَلَى الْكَذِبِ فِي حَقِّهِمْ، وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَإِنْ كَانَ إخْبَارًا فِي الْحَقِيقَةِ، فَقَدْ جُعِلَ كَالْإِيجَابِ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ بِجَارِيَةٍ لَا يَسْتَحْقِقُ أَوْلَادَهَا، فَإِذَا كَانَ كَالْإِيجَابِ مِنْ وَجْهٍ فَهُوَ إيجَابُ مَالٍ لَا يُقَابِلُهُ مَالٌ وَالْمَرِيضُ مَمْنُوعٌ عَنْ مَيْلِهِ مَعَ الْوَارِثِ أَصْلًا فَرَجَّحْنَا هَذَا الْجَانِبَ فِي حَقِّ الْوَارِثِ وَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْإِقْرَارِ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ وَصَحَّحْنَاهُ فِي جَمِيعِ الْمَالِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ بِاعْتِبَارِ وَصِيَّتِهِ لَهُ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ، فَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالْوَارِثِ فَلَمْ يُلَاقِ مَحِلًّا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّكَ إنْ تَدَعْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَدَعْهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ»، وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالسَّبَبِ مِنْ حَوَائِجِ الْمَيِّتِ كَيْ لَا يَضِيعَ مَاؤُهُ فَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّ وَرَثَتِهِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْحَجْرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>