[بَابُ رَهْنِ الْأَرَضِينَ وَغَيْرِهَا]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا ارْتَهَنَ أَرْضًا فِيهَا نَخْلٌ وَشَجَرٌ وَقَبَضَهَا فَهُوَ جَائِزٌ وَسَقْيُ النَّخْلِ، وَالشَّجَرِ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ سَقْيَ النَّخْلِ بِمَنْزِلَةِ عَلْفِ الدَّوَابِّ، وَنَفَقَةِ الْمَالِكِ؛ لِيَبْقَى مُنْتَفَعًا بِهَا، فَيَكُونُ عَلَى الرَّاهِنِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ، كَمَا كَانَ قَبْلَ الرَّهْنِ، وَإِنْ أَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ عَلَيْهَا فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِأَمْرِ الْقَاضِي، وَجَعَلَهُ دَيْنًا عَلَى الرَّاهِنِ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي النَّفَقَةِ.
وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَةَ النَّخِيلِ وَإِنْ خَافَ الْفَسَادَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ حَافِظٌ لَهَا وَبِحَقِّ الْحِفْظِ لَا يَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ الْبَيْعِ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ حِفْظِ الْعَيْنِ إلَّا بِأَمْرِ الرَّاهِنِ أَوْ بِأَمْرِ الْقَاضِي إنْ كَانَ الرَّاهِنُ غَائِبًا؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ النَّظَرِ فِي مَالِ الْغَائِبِ، وَبَيْعَ مَا يَخَافُ الْفَسَادُ عَلَى عَيْنِهِ مِنْ النَّظَرِ.
وَيَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ فِي رَهْنِ الْأَرْضِ، وَالدَّارِ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ، كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ ثَمَرُ النَّخِيلِ، وَالشَّجَرِ، وَزَرْعُ الْأَرْضِ يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ لِقَصْدِهِمَا إلَى تَصْحِيحِ الرَّهْنِ، وَقِلَّةُ الضَّرَرِ عَلَى الرَّاهِنِ فِي دُخُولِهِمَا فِيهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْفَرْقَ فِيمَا سَبَقَ.
وَإِذَا أَخَذَ السُّلْطَانُ الْعُشْرَ مِنْ الْغَلَّةِ لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ بِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَى الرَّاهِنِ فَهُوَ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَلَا يَبْطُلُ بِهِ الرَّهْنُ فِيمَا يَبْقَى؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ الْعُشْرِ مِنْ الْغَلَّةِ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ مَا لَمْ يَأْخُذْهُ السُّلْطَانُ.
(أَلَا تَرَى): أَنَّهُ لَوْ أَدَّى الْعُشْرَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ جَازَ فَصَحَّ الرَّهْنُ فِي الْكُلِّ، ثُمَّ خَرَجَ هَذَا الْجُزْءُ بِأَخْذِ السُّلْطَانِ وَالْبَاقِي مَقْسُومٌ فَلَا يَتَمَكَّنُ بِسَبَبِهِ الشُّيُوعُ فِي الرَّهْنِ قَارِنًا وَلَا مُقَارَنًا، وَلَوْ أَخَذَ السُّلْطَانُ الْعُشْرَ مِنْ الرَّاهِنِ لَمْ يَرْجِعْ الرَّاهِنُ فِي غَلَّةِ الْأَرْضِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ فِي الْكُلِّ صَحِيحٌ لِمُصَادَفَةِ الْعَقْدِ مِلْكَهُ، وَلَوْ أَخَذَهَا الْمُرْتَهِنُ فَأَدَّى عُشْرَهَا أَوْ خَرَاجَهَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الرَّاهِنِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَطَوُّعَ بِالْأَدَاءِ فَلِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِيمَا أَدَّى وَإِنْ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ فَهُوَ ظَالِمٌ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ شَيْءٌ، وَالْمَظْلُومُ لَا يَرْجِعُ إلَّا عَلَى الظَّالِمِ.
وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَزْرَعَ الْأَرْضَ الْمَرْهُونَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ انْتِفَاعٌ مِنْهُ بِالْمَرْهُونِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَنَا بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ، وَكَذَلِكَ لَا يُؤَاجِرُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مُنِعَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِنَفْسِهِ، فَلَأَنْ يُمْنَعَ مِنْ تَمْلِيكِ مَنْفَعَتِهَا مِنْ غَيْرِهِ بِبَدَلٍ أَوْلَى، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ بِالْإِجَارَةِ يُوجِبُ لِلْغَيْرِ حَقًّا لَازِمًا، وَفِي تَصْحِيحِهَا إبْطَالُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي اسْتِدَامَةِ الْيَدِ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَالْأَجْرُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِعَقْدِهِ بَدَلًا عَنْ مَنْفَعَةٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ، وَكَذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ لَا يَزْرَعُهَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا لِغَيْرِهِ فَلَا يَزْرَعُهَا وَلَا يُؤَاجِرُهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ ضَمِنَ مَا نَقَصَ مِنْ الْأَرْضِ وَتَصَدَّقَ بِالْأَجْرِ إنْ أَجَّرَ، وَيُفْصَلُ الزَّرْعُ أَمَّا ضَمَانُ النُّقْصَانِ، فَلِأَنَّهُ بِالزِّرَاعَةِ مُتْلِفٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute