بَعْضٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ حَالَ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَحَالِ الْأَرِقَّاءِ أَوْ دُونَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ دَفْعَ مِلْكِ الْغَيْرِ عَنْ نَفْسِهِ بِالِاسْتِيلَاءِ، فَلَا شَهَادَةَ لَهُمْ وَلَا يَجُوزُ لِقَاضِي الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَعْمَلَ بِذَلِكَ إنْ كَتَبَ بِهِ إلَيْهِ مَلِكُهُمْ، إمَّا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، أَوْ لِأَنَّ مَلِكَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ، فَلَا يَكُونُ كِتَابُهُ حُجَّةً عِنْدَ الْقَاضِي إنَّمَا الْحُجَّةُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، وَمَلِكُهُمْ لَيْسَ بِقَاضٍ فِي حَقِّ قَاضِي الْمُسْلِمِينَ وَلَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ فَلِهَذَا لَا يُلْتَفَتُ إلَى كِتَابِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْوَكَالَةِ]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ بِالْخُصُومَةِ فِي دَارٍ لَهُ بِقَبْضِهَا، وَالدَّارُ فِي مِصْرٍ سِوَى الْمِصْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ كِتَابَ الْقَاضِي بِالْوَكَالَةِ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَثْبُتُ مَعَ الشَّهَادَةِ، فَيَجُوزُ فِيهَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، وَالْقِيَاسُ يَأْبَى كَوْنَ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي حُجَّةً؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْخَصْمِ الَّذِي هُوَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ وَكِتَابُهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ، وَالْخَاتَمَ يُشْبِهُ الْخَاتَمَ، وَالْكِتَابُ قَدْ يُفْتَعَلُ وَلَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، فَإِنَّ فِيهِ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، وَلِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً مَاسَّةً إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْخَصْمِ وَبَيْنَ شُهُودِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَرُبَّمَا لَا يَعْرِفُ عَدَالَةَ شُهُودِهِ فِي الْمِصْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَصْمُ، لَوْ شَهِدَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ قُبَيْلَ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي لِيَنْقُلَ شُهُودُهُ كِتَابَهُ إلَى مَجْلِسِ قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْخَصْمُ وَيُثْبِتَ عَدَالَتَهُمْ فِي كِتَابِهِ، فَلِأَجْلِ الْحَاجَةِ جَوَّزْنَا ذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ يُحْتَاطَ فِيهِ.
ثُمَّ بَيَّنَ صِفَةَ الْكِتَابِ فَقَالَ: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ بِعَيْنِهِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَعْرِفْهُ الْقَاضِي بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا لَهُ فَعِلْمُ الْقَاضِي فِيهِ أَبْلَغُ مِنْ الْبَيِّنَةِ، فَلَا يَسْأَلُهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ يَذْكُرُ فِي كِتَابِهِ، وَقَدْ أَثْبَتَهُ مَعْرِفَةً، وَإِذَا كَانَ لَا يَعْرِفُ اسْمَهُ وَيَشْتَبِهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَسْأَلَهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي كِتَابِهِ إلَى أَنْ يُعَرِّفَهُ عِنْدَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، وَتَعْرِيفُ الْغَائِبِ إنَّمَا يَكُونُ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ، فَمَا لَمْ يُثْبِتْ ذَلِكَ عِنْدَهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُعَرِّفَهُ فِي كِتَابِهِ، وَإِذَا أَثْبَتَ ذَلِكَ الشُّهُودُ عِنْدَهُ وَزَكَّوْا، كَتَبَ لَهُ وَسَمَّاهُ وَيَنْسُبُهُ إلَى أَبِيهِ وَقَبِيلَتِهِ.
قَالُوا وَتَمَامُ التَّعْرِيفِ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ أَبِيهِ وَاسْمَ جَدِّهِ، وَإِنْ ذَكَرَ قَبِيلَتَهُ مَعَ ذَلِكَ فَهُوَ أَبْلَغُ وَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ، وَيَذْكُرُ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ قَدْ أَقَامَ عِنْدَهُ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ وَزَكَّوْا شُهُودَهُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَإِنْ شَاءَ سَمَّى الشُّهُودَ، وَإِنْ شَاءَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute