فَإِنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي، ثُمَّ ارْتَدَّا قَبْلَ الْقَضَاءِ بَطَلَتْ بِشَهَادَتِهِمَا، فَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَا عِنْدَ الْفَرْعِيَّيْنِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ بِرِدَّتِهِمَا لَا يَبْطُلُ أَصْلُ شَهَادَتِهِمَا، إنَّمَا يَبْطُلُ أَدَاؤُهُمَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ أَصْلِ الشَّهَادَةِ مَعًا بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ لَا يَنْعَدِمُ بِالرِّدَّةِ، وَلِأَنَّ اقْتِرَانَ الرِّدَّةِ بِالتَّحَمُّلِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ، فَاعْتِرَاضُهُمَا لَا يَمْنَعُ الْبَقَاءَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
فَأَمَّا اقْتِرَانُ الرِّدَّةِ بِالْأَدَاءِ فَيَمْنَعُ صِحَّةَ الْأَدَاءِ، فَاعْتِرَاضُهُمَا بَعْدَ الْأَدَاءِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ يَكُونُ مُبْطِلًا لِلْأَدَاءِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لِلْفَرْعِيَّيْنِ أَنْ يَشْهَدَا بِأَدَاءِ الْأَصْلِيَّيْنِ عِنْدَهُمَا، وَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ بِرِدَّتِهِمَا، وَإِنْ شَهِدَ الْأَصْلِيَّانِ بِأَنْفُسِهِمَا بَعْدَ مَا أَسْلَمَا جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا لِبَقَاءِ أَصْلِ الشَّهَادَةِ لَهُمَا بَعْدَ الرِّدَّةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ عَلَى شَهَادَتِهِمَا رَجُلَانِ، ثُمَّ فَسَقَا لَمْ يَجُزْ أَدَاؤُهُمَا؛ لِأَنَّ أَدَاءَهُمَا عِنْدَ الْفَرْعِيَّيْنِ بِمَنْزِلَةِ أَدَائِهِمَا عِنْدَ الْقَاضِي، وَفِسْقُ الشَّاهِدَيْنِ عِنْدَ الْأَدَاءِ يَمْنَعُ الْقَاضِيَ مِنْ الْعَمَلِ بِشَهَادَتِهِمَا، فَكَذَلِكَ فِسْقُهُمَا هُنَا يَمْنَعُ الْفَرْعِيَّيْنِ مِنْ أَنْ يَشْهَدَا عَلَى شَهَادَتِهِمَا، وَلَكِنْ إنَّمَا يَبْطُلُ بِفِسْقِهِمَا أَدَاؤُهُمَا، لَا أَصْلُ شَهَادَتِهِمَا، حَتَّى إذَا تَابَا وَأَصْلَحَا، ثُمَّ شَهِدَا بِذَلِكَ جَازَ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَا عَلَى شَهَادَتِهِمَا بَعْدَ التَّوْبَةِ ذَلِكَ الشَّاهِدَانِ أَوْ غَيْرُهُمَا جَازَ، فَإِنْ شَهِدَ الْفَرْعِيَّانِ عَلَى شَهَادَةِ الْفَاسِقَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي فَرَدَّهُمَا لِتُهْمَةِ الْأَوَّلَيْنِ، لَمْ يَقْبَلْهَا أَبَدًا مِنْ الْأَوَّلَيْنِ وَلَا مِمَّنْ يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّ الْفَرْعِيَّيْنِ نَقَلَا شَهَادَةَ الْأَصْلِيَّيْنِ إلَى الْقَاضِي فَكَأَنَّهُمَا حَضَرَا بِأَنْفُسِهِمَا وَشَهِدَا، وَالْفَاسِقُ إذَا شَهِدَ فَرَدَّ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ تَأَيَّدَ ذَلِكَ الرَّدُّ، وَلِأَنَّ الْفِسْقَ لَا يُعْدِمُ الْأَهْلِيَّةَ لِلشَّهَادَةِ فَالْمَرْدُودُ كَانَ شَهَادَةً، وَقَدْ حَكَمَ الْقَاضِي بِبُطْلَانِهَا فَلَا يُصَحِّحُهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَبَدًا، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلِيَّانِ عَدْلَيْنِ فَرَدَّ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ لِفِسْقِ الْفَرْعِيَّيْنِ، ثُمَّ حَضَرَ الْأَصْلِيَّانِ وَشَهِدَا، قَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُمَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا أَبْطَلَ هُنَا نَقْلَ الْفَرْعِيَّيْنِ لِفِسْقٍ فِيهِمَا، وَمَا أَبْطَلَ الْمَنْقُولَ، وَهُوَ شَهَادَةُ الْأَصْلِيَّيْنِ؛ لِأَنَّ إبْطَالَ الْفِسْقِ الْمَنْقُولِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِهِ فِي مَجْلِسِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ إلَّا بِنَقْلِ الْفَاسِقِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ النَّقْلَ هُنَاكَ قَدْ ثَبَتَ بِعَدَالَةِ الْفَرْعِيَّيْنِ، وَإِنَّمَا أَبْطَلَ الْقَاضِي الْمَنْقُولَ، وَهُوَ شَهَادَةُ الْأَصْلِيَّيْنِ فَلَا يَقْبَلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى شَهَادَةِ عَبْدَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ عَلَى مُسْلِمٍ فَرَدَّ الْقَاضِي ذَلِكَ، ثُمَّ عَتَقَ الْعَبْدَانِ أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرَانِ فَشَهِدَا بِذَلِكَ جَازَ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي بِأَنْفُسِهِمَا فَرَدَّ الْقَاضِي شَهَادَتَهُمَا ثُمَّ أَعَادَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَالْإِسْلَامِ، قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمَا، كَمَا أَنَّ الْمَرْدُودَ لَمْ يَكُنْ شَهَادَةً، فَإِنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَلَمْ يَحْكُمْ الْقَاضِي بِبُطْلَانِ مَا هُوَ شَهَادَةٌ هُنَا، فَلَهُ أَنْ يَقْبَلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْفَاسِقَيْنِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْحُكْمُ عِنْدَ أَدَائِهِمَا، فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَدَاءِ الْفَرْعِيَّيْنِ.
وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ بَعْضِهِمْ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute