للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَكُونُ وَكَالَةً؛ لِأَنَّهُ أَنَابَهُ فِي التَّصَرُّفِ حَالَ قِيَامِ وِلَايَتِهِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْوَكَالَةِ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ هُنَا فِي الْعِبَارَةِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ فِي هَذِهِ الدَّارِ إلَى قَاضِي الْكُوفَةِ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ فِي هَذِهِ الدَّارِ إلَى قَاضِي الْبَصْرَةِ، فَهُوَ جَائِزٌ وَهُوَ وَكِيلٌ بِالْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ قَضَاءُ الْقَاضِي لَا عَيْنُ الْقَاضِي، وَأَقْضِيَةُ الْقُضَاةِ لَا تَخْتَلِفُ بَلْ تَكُونُ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ فِي أَيِّ مَكَان كَانَ قَاضِيًا، فَقَدْ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ عَلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْوَكَالَةُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ الْقَاضِي فَعُزِلَ أَوْ مَاتَ فَاسْتَقْضَى غَيْرَهُ، كَانَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ عِنْدَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَحَوَّلَ الْخَصْمُ إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى كَانَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُخَاصِمَ عِنْدَ قَاضِيهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَعَلَهُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ إلَى فُلَانٍ الْفَقِيهِ، وَقَالَ الْآخَرُ إلَى فُلَانٍ الْآخَرَ فَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْفَقِيهَ إنَّمَا يَصِيرُ حَاكِمًا بِتَرَاضِيهِمَا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْهَدُ بِرِضَا الْمُوَكِّلِ بِحُكُومَةِ إنْسَانٍ عَلَى حِدَةٍ فَلَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّ حُكْمَ الْحَكَمِ بِمَنْزِلَةِ الصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُ تَرَاضِيَ الْخَصْمَيْنِ وَذَلِكَ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ فِي نَفْسِهِ، بَلْ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ عَدْلِ الْحَكَمِ وَمَيْلِهِ إلَى أَحَدِهِمَا وَرِضَاهُ بِالتَّحْكِيمِ إلَى إنْسَانٍ لَا يَكُونُ رِضًا بِالْحُكْمِ إلَى غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ سَمَّى أَحَدُهُمَا الْقَاضِيَ وَالْآخَرُ الْفَقِيهَ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ عَلَى التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ إلَى فُلَانٍ الْفَقِيهِ لَا يَمْلِكُ التَّحْكِيمَ فَعَرَفْنَا اخْتِلَافَ الْمَشْهُودِ بِهِ.

وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِ فُلَانَةَ وَفُلَانَةَ، وَقَالَ الْآخَرُ: " فُلَانَةَ وَحْدَهَا " فَهُوَ وَكِيلٌ فِي طَلَاقِ الَّتِي اجْتَمَعَا عَلَيْهَا لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى ذَلِكَ، فَأَمَّا فِي طَلَاقِ الْأُخْرَى فَالشَّاهِدُ بِالْوَكَالَةِ وَاحِدٌ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ هَذَا الدَّيْنِ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ فَالتَّسْلِيطُ عَلَى الْقَبْضِ تَوْكِيلٌ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ فِي الْعِبَارَةِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي كُلِّ عَقْدٍ.

وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى وَكَالَةِ رَجُلٍ بِالْخُصُومَةِ فِي دَارٍ فَأَثْبَتَهُ الْقَاضِي وَكِيلًا فِيهَا ثُمَّ رَجَعَا لَمْ أَضْمَنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْوَكَالَةِ لَمْ يُتْلِفَا عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا، وَإِنَّمَا نُصِّبَا عَنْ الْمُوَكِّلِ نَائِبًا لِيُطَالِبَ بِحَقِّهِ، وَالشَّاهِدُ عِنْدَ الرُّجُوعِ إنَّمَا يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَ بِشَهَادَتِهِ، ثُمَّ رُجُوعُهُمَا غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ، فَيَضْمَنُ الْقَاضِي وَكَالَتَهُ عَلَى حَالِهَا.

وَإِذَا ادَّعَى الْوَكِيلُ دَعْوَى فِي دَارٍ فِي يَدَيْ رَجُلٍ لِمُوَكِّلِهِ فَأَنْكَرَ ذُو الْيَدِ الْوَكَالَةَ وَالدَّعْوَى، فَشَهِدَ ابْنَا ذِي الْيَدِ عَلَى الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى أَبِيهِمَا فَإِنَّهُمَا يُلْزِمَانِهِ الْجَوَابَ عِنْدَ دَعْوَى الْوَكِيلِ، وَإِذَا أَشْهَدَا رَجُلَيْنِ عَلَى شَهَادَتِهِمَا، ثُمَّ ارْتَدَّ الْأَصْلِيَّانِ، ثُمَّ أَسْلَمَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ الْآخَرَيْنِ عَلَى شَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا عِنْدَ الْآخَرَيْنِ تَبْطُلُ بِارْتِدَادِهِمَا، بِمَنْزِلَةِ شَهَادَتِهِمَا عِنْدَ الْقَاضِي

<<  <  ج: ص:  >  >>