بِالْخُصُومَةِ يَمْلِكُ الْقَبْضَ عِنْدَنَا، وَالْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَدْ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْحُكْمَيْنِ مَعْنًى، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي الْعِبَارَةِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالتَّخَلِّي وَالْآخَرُ بِالْهِبَةِ.
وَعِنْدَهُمَا الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ، فَقَدْ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ عَلَى ثُبُوتِ حَقِّ الْقَبْضِ لَهُ فَأَمَّا الشَّاهِدُ بِحَقِّ الْخُصُومَةِ لِأَحَدِهِمَا فَيَثْبُتُ فِيمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ دُونَ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا، وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ، وَالْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ، وَالشَّاهِدُ أَثْبَتَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ، وَلَا تَتِمُّ الْحُجَّةُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ.
وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ هَذَا الْعَبْدِ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ، وَقَالَ: " لَا تَبِعْ حَتَّى تَسْتَأْمِرَنِي " فَبَاعَ الْوَكِيلُ الْعَبْدَ فَهُوَ جَائِزٌ فِي الْقِيَاسِ، وَقَوْلُ الْآخَرِ " حَتَّى تَسْتَأْمِرَنِي " بَاطِلٌ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِزِيَادَةِ لَفْظٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ: " لَا تَبِعْ حَتَّى تَسْتَأْمِرَنِي " فَكَانَ قِيَاسَ مَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْعَزْلِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هُنَاكَ أَنَّهُ يَثْبُتُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ الْوَكَالَةِ، وَلَا يَثْبُتُ مَا انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْعَزْلُ فَهَذَا مِثْلُهُ، فَقَدْ أَشَارَ إلَى الْقِيَاسِ وَلَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِحْسَانَ وَقِيلَ: جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ فِي قَوْلِهِ: " لَا تَبِعْ حَتَّى تَسْتَأْمِرَنِي " يُفْسِدُ الْوَكَالَةَ، فَإِنَّمَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِوَكَالَةٍ مُطْلَقَةٍ وَالْآخَرُ بِوَكَالَةٍ مُقَيَّدَةٍ، وَالْمُقَيَّدُ غَيْرُ الْمُطْلَقِ فَلَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِخِلَافِ الْعَزْلِ، فَإِنَّهُ رَفْعٌ لِلْوَكَالَةِ لَا يُفْسِدُ لَهَا، وَلَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ: " وَكَّلَ هَذَا بِالْبَيْعِ "، وَقَالَ الْآخَرُ: " وَكَّلَ هَذَا وَهَذَا " لَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَلَا لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَبِيعَ لِأَنَّ الشَّاهِدَ بِوَكَالَةِ الثَّانِي وَاحِدٌ، وَلَا تَثْبُتُ وَكَالَتُهُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ، وَالشَّاهِدُ بِثُبُوتِ حَقِّ التَّفَرُّدِ لِلْأَوَّلِ بِالْبَيْعِ وَاحِدٌ، وَهُوَ الَّذِي شَهِدَ بِوَكَالَتِهِ خَاصَّةً فَإِنَّ الْآخَرَ شَهِدَ بِوَكَالَةِ الِاثْنَيْنِ، وَلَيْسَ لِأَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْبَيْعِ فَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَبِيعَ، فَإِنْ قِيلَ إذَا اجْتَمَعَا عَلَى الْبَيْعِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْفُذَ لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى نُفُوذِهِ عِنْدَ مُبَاشَرَتِهِمَا، وَلَا اعْتِبَارَ بِمُبَاشَرَةِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَكِيلٍ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الْعَبْدِ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ بِوَكَالَتِهِ وَاحِدٌ، وَلَيْسَ بِوَكِيلٍ مِنْ جِهَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ مُبَاشَرَتِهِ لِنُفُوذِ هَذَا الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي قَبْضِ الدَّيْنِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ، كَانَ الَّذِي اجْتَمَعَا عَلَيْهِ هُوَ الْخَصْمَ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى ثُبُوتِ حَقِّ التَّفَرُّدِ لَهُ فِي الْخُصُومَةِ، فَإِنَّ أَحَدَ الْوَكِيلَيْنِ فِي الْخُصُومَةِ يَنْفَرِدُ بِهَا، وَلَكِنْ إذَا قَضَى لَهُ لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَكِيلَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ بِالْقَبْضِ، فَلَيْسَ عَلَى ثُبُوتِ حَقِّ التَّفَرُّدِ لَهُ بِالْقَبْضِ إلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَلِهَذَا لَا يَقْبِضُهُ.
وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ: " أَنْتَ وَكِيلِي فِي قَبْضِ هَذَا الدَّيْنِ "، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: " أَنْتَ حَسِيبِي فِي قَبْضِهِ " كَانَ جَائِزًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ عِبَارَةٌ عَنْ الْوَكَالَةِ، فَإِنَّ الْحَسِيبَ نَافِذُ الْأَمْرِ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْوَكَالَةِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي الْعِبَارَةِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَا هَكَذَا فِي الْخُصُومَةِ أَوْ قَبْضِ الْعَيْنِ.
وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: إنَّهُ قَالَ أَنْتَ وَكِيلِي "، وَقَالَ الْآخَرُ: " إنَّهُ قَالَ أَنْتَ وَصِيِّي " لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَحُكْمُهَا مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْوَكَالَةِ فَلَمْ تَبْقَ شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، إلَّا أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ قَالَ: " أَنْتَ وَصِيِّي فِي حَيَاتِي " فَالْوَصِيَّةُ فِي الْحَيَاةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute