للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُشْرَ الْخَارِجِ وَيَغْرَمُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ النُّقْصَانَ مَعَ ذَلِكَ كَمَا يَغْرَمُ الْأَجْرَ لَوْ كَانَ اسْتَأْجَرَهَا مِنْهُ. وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَصْلِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ فِي تَخْرِيجِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ سَهْوٌ، إنَّمَا الصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْمُعَامَلَةِ]

[قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -]: وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ نَخْلًا مُعَامَلَةً سِنِينَ مَعْلُومَةً بِالنِّصْفِ - فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى جَوَازَ الْمُزَارَعَةِ. وَكَذَلِكَ مُعَامَلَةُ الشَّجَرِ وَالْكَرْمِ وَالرِّطَابِ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ إلَّا فِي النَّخِيلِ وَالْكُرُومِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ جَوَازَ ذَلِكَ بِالْأَثَرِ، وَإِنَّمَا وَرَدَ الْأَثَرُ فِي النَّخِيلِ وَالْكُرُومِ، وَهُوَ مَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ، وَلَكِنَّ هَذَا فَاسِدٌ، فَقَدْ كَانَ أَهْلُ خَيْبَرَ يَعْمَلُونَ فِي الْأَشْجَارِ وَالرِّطَابِ أَيْضًا كَمَا يَعْمَلُونَ فِي النَّخِيلِ وَالْكُرُومِ، ثُمَّ هَذَا الْكَلَامُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ مِمَّنْ لَا يَرَى تَعْلِيلَ النُّصُوصِ، فَإِذَا كَانَ الشَّافِعِيُّ يَرَى تَعْلِيلَ النُّصُوصِ فَلَا يَسْتَقِيمُ مِنْهُ مَعْنًى؛ فَيَصِيرُ حُكْمُ الْمُعَامَلَةِ عَلَى النَّخِيلِ وَالْكُرُومِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَثَرَ وَرَدَ فِيهَا، فَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُ النَّخِيلِ أَنْ يُخْرِجَ الْعَامِلَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ عُذْرٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ دَفَعَ الْأَرْضَ وَالْبَذْرَ مُزَارَعَةً؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُلْقِيَ بَذْرَهُ فِي الْأَرْضِ وَفِيهِ إتْلَافُ مِلْكِهِ؛ فَلَهُ أَنْ لَا يَرْضَى بِهِ، وَهُنَا صَاحِبُ النَّخِيلِ لَا يَحْتَاجُ فِي إيفَاءِ الْعَقْدِ إلَى إتْلَافِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ، فَيَلْزَمُهُ الْعَقْدُ فِي الْجَانِبَيْنِ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِفَسْخِهِ إلَّا بِعُذْرٍ كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ، وَالْعُذْرُ هُنَا أَنْ يَلْحَقَهُ دَيْنٌ فَادِحٌ لَا وَفَاءَ عِنْدَهُ إلَّا بِبَيْعِ النَّخِيلِ، أَوْ يَكُونَ الْعَامِلُ سَارِقًا مَعْرُوفًا بِالسَّرِقَةِ فَخَافَ مِنْهُ عَلَى أَخْذِ سَعَفِ النَّخْلِ وَسَرِقَتِهِ أَوْ عَلَى سَرِقَتِهِ الثِّمَارَ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا عُذْرٌ فِي سَائِرِ الْإِجَارَاتِ نَحْوِ إجَارَةِ الظِّئْرِ لِمَا يَلْحَقُهُ فِيهِ مِنْ ضَرَرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ بِالْعَقْدِ، فَكَذَلِكَ فِي الْمُعَامَلَةِ. وَإِنْ كَانَ الثَّمَرُ قَدْ خَرَجَ وَلَمْ يَبْلُغْ، ثُمَّ لَحِقَهُ دَيْنٌ لَا وَفَاءَ عِنْدَهُ إلَّا بِبَيْعِ النَّخِيلِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْمُعَامَلَةَ، وَلَا يَبِيعَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الثَّمَرُ، فَيُبَاعَ نَصِيبُ صَاحِبِ النَّخْلِ مِنْ النَّخْلِ مِنْ الثَّمَرِ فِي الدَّيْنِ وَتُنْتَقَضَ الْمُعَامَلَةُ فِيمَا بَقِيَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمَعْنَى فِيهِمَا سَوَاءٌ، فَإِنَّ الشَّرِكَةَ انْعَقَدَتْ بَيْنَهُمَا فِي الثَّمَرِ، وَلِإِدْرَاكِهِ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَفِي الِانْتِظَارِ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَفِي نَقْضِ الْمُعَامَلَةِ فِي الْحَالِ إضْرَارٌ بِالْعَامِلِ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّهِ مِنْ نَصِيبِ الثَّمَرِ، فَلِدَفْعِ الضَّرَرِ قُلْنَا: يُخْرِجُ رَبُّ النَّخِيلِ مِنْ الشَّجَرِ وَتَبْقَى الْمُعَامَلَةُ بَيْنَهُمَا إلَى أَنْ يُدْرِكَ مَا خَرَجَ

<<  <  ج: ص:  >  >>