للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الثَّمَرِ، وَلَوْ أَرَادَ الْعَامِلُ تَرْكَ الْعَمَلِ قَبْلَ خُرُوجِ الثَّمَرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَمْرَضَ مَرَضًا يَضْعُفُ عَنْ الْعَمَلِ مَعَهُ فَيَكُونَ ذَلِكَ عُذْرًا، وَلَا يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ يُؤْمَرَ فِي الْمَرَضِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَامِلًا لِيُقِيمَ الْعَمَلَ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إلْحَاقَ ضَرَرٍ بِهِ لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِعَقْدِ الْمُعَامَلَةِ، وَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ فِي إيفَاءِ الْعَقْدِ ضَرَرٌ فَوْقَ مَا الْتَزَمَهُ يَصِيرُ ذَلِكَ عُذْرًا فِي فَسْخِ الْمُعَامَلَةِ، قَالَ فِي الْأَصْلِ: أَوْ يُرِيدُ سَفَرًا أَوْ يَتْرُكُ ذَلِكَ الْعَمَلَ فَيَكُونُ هَذَا عُذْرًا لَهُ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنَّ فِي هَذَا الْفَصْلِ رِوَايَتَيْنِ، وَتَأْوِيلُ مَا ذُكِرَ هُنَا أَنَّ الْعَمَلَ كَانَ مَشْرُوطًا بِيَدِهِ.

وَلَوْ دَفَعَ رَجُلٌ نَخْلًا أَوْ شَجَرًا أَوْ كَرْمًا مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ وَلَمْ يُسَمِّ الْوَقْتَ - جَازَ اسْتِحْسَانًا عَلَى أَوَّلِ ثَمَرَةٍ تَخْرُجُ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ. وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هَذَا اسْتِئْجَارٌ لِلْعَامِلِ وَبِهَذَا لَا يَصِيرُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ، فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنَا لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ كَمَا فِي الْمُزَارَعَةِ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ لِإِدْرَاكِ الثَّمَرِ أَوَانًا مَعْلُومًا فِي الْعَادَةِ، وَنَحْنُ نَتَيَقَّنُ أَنَّ إيفَاءَ الْعَقْدِ مَقْصُودٌ هُنَا إلَى إدْرَاكِ الثِّمَارِ، وَالثَّابِتُ بِالْعَادَةِ كَالثَّابِتِ بِالشَّرْطِ فَصَارَتْ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً، وَإِنْ تَقَدَّمَ، أَوْ تَأَخَّرَ فَذَلِكَ يَسِيرٌ لَا يَقَعُ بِسَبَبِهِ مُنَازَعَةٌ بَيْنَهُمَا فِي الْعَادَةِ، بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ فَإِنَّ آخِرَ الْمُدَّةِ هُنَاكَ مَجْهُولٌ لِجَهَالَةِ أَوَّلِهَا؛ لِأَنَّ مَا يُزْرَعُ فِي الْخَرِيفِ يُدْرَكُ فِي آخِرِ الرَّبِيعِ، وَمَا يُزْرَعُ فِي الرَّبِيعِ يُدْرَكُ فِي آخِرِ الصَّيْفِ، وَمَا يُزْرَعُ فِي الصَّيْفِ يُدْرَكُ فِي آخِرِ الْخَرِيفِ، فَلِجَهَالَةِ وَقْتِ ابْتِدَاءِ عَمَلِ الْمُزَارَعَةِ يَصِيرُ وَقْتُ النِّهَايَةِ مَجْهُولًا، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا؛ فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ بِبَيَانِ الْمُدَّةِ. ثُمَّ فِي الْمُعَامَلَةِ يُتَيَقَّنُ أَنَّ الْعَقْدَ تَنَاوَلَ أَوَّلَ ثَمَرِهِ وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ شَكٌّ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا الْمُتَيَقَّنُ، وَإِذَا لَمْ يَخْرُجْ ثَمَرُهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ اُنْتُقِضَتْ الْمُعَامَلَةُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْ الْمُدَّةِ، فَكَأَنَّهُمَا نَصَّا عَلَى ذَلِكَ. وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أُصُولَ رَطْبَةٍ ثَابِتَةً فِي الْأَرْضِ مُعَامَلَةً وَلَمْ يُسَمِّ الْوَقْتَ - فَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الرَّطْبَةَ لَيْسَ لَهَا غَايَةٌ يَنْتَهِي إلَيْهَا نُمُوُّهَا، وَلَكِنَّهَا تَنْمُو مَا تُرِكَتْ فِي الْأَرْضِ، بِخِلَافِ الثِّمَارِ فَإِنَّ لَهَا غَايَةً تَنْتَهِي إلَيْهَا، فَإِذَا تُرِكَتْ بَعْدَ ذَلِكَ تَفْسُدُ، فَإِنْ كَانَتْ لِلرَّطْبَةِ غَايَةٌ مَعْلُومَةٌ تَنْتَهِي إلَيْهَا فِي نَبَاتِهَا حَتَّى تُقْطَعَ ثُمَّ تُخْرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ - فَهَذِهِ مُعَامَلَةٌ جَائِزَةٌ، وَالْمُعَامَلَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَوَّلِ جُزْءٍ كَمَا فِي الثِّمَارِ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ هَذَا أَخَّرْنَا فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْقُضَ الْمُعَامَلَةَ إلَّا مِنْ عُذْرٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْلُومَ بِالْعَادَةِ مِنْ الْمُدَّةِ لَمَّا جُعِلَ كَالْمَشْرُوطِ لَهَا فِي جَوَازِ الْعَقْدِ، فَكَذَلِكَ فِي لُزُومِهِ

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ نَخْلًا فِيهِ طَلْعٌ مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ أَوْ لَمْ يُسَمِّ الْوَقْتَ أَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ بَعْدَ مَا صَارَ بُسْرًا أَخْضَرَ أَوْ أَحْمَرَ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَنْتَهِ عِظَمُهُ - فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ بِحَيْثُ يَنْمُو بِعَمَلِ الْعَامِلِ وَلَهُ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ بِاعْتِبَارِهِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ بَعْدَ مَا تَنَاهَى عِظَمُهُ وَلَيْسَ يَزِيدُ بَعْدَ ذَلِكَ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُرْطِبْ - فَالْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>