للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَشَوَاهِدِ الْأُصُولِ.

[الْحُرُّ إذَا أَقَرَّ وَرَثَتُهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ]

وَكَذَلِكَ الْحُرُّ إذَا أَقَرَّ وَرَثَتُهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، فَإِنَّهُ يَقْضِي دَيْنَهُ، وَيَقْسِمُ الْمِيرَاثَ بَيْنَهُمْ إذَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْإِنْسَانِ فِيمَا فِي يَدِهِ مُعْتَبَرٌ مَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ خَصْمٌ يُنَازِعُهُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ غَيْرِهِمْ فَصَدَّقَهُمْ بِذَلِكَ. وَإِنْ جَحَدَ مَوْتَهُ لَمْ أَنْزِعْهُ مِنْ يَدِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَى مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَدَّعُونَ اسْتِحْقَاقَ الْيَدِ فِي هَذَا الْمَالِ عَلَى ذِي الْيَدِ، وَقَوْلُهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ فِي اسْتِحْقَاقِ يَدِهِ فَمَا لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَوْتِهِ لَا يُخْرِجُ الْقَاضِي الْمَالَ مِنْ يَدِ ذِي الْيَدِ.

وَلَوْ أَنَّ الْمَوْلَى أَعْتَقَ الْمُكَاتَبَ الْمَفْقُودَ ثُمَّ مَاتَ ابْنُ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ حُرٌّ، وَلَهُ إخْوَةٌ أَحْرَارٌ لَمْ يَقْضِ لَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى يَعْلَمَ مَوْتَ الْمُكَاتَبِ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمَفْقُودَ إنْ كَانَ حَيًّا فَقَدْ عَتَقَ بِإِعْتَاقِ الْمَوْلَى إيَّاهُ، وَالْمِيرَاثُ لَهُ دُونَ الْإِخْوَةِ فَشَرْطُ تَوْرِيثِ الْإِخْوَةِ عَدَمُ أَبٍ هُوَ وَارِثٌ، وَبِالظَّاهِرِ لَا يَثْبُتُ هَذَا الشَّرْطُ فَلِهَذَا لَا يَقْضِي لَهُمْ بِشَيْءٍ حَتَّى يَعْلَمَ مَوْتَ الْأَبِ قَبْلَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَكَاتِبُ الْمُكَاتَبَ عَبْدًا؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْمَفْقُودَ كَإِعْتَاقِهِ الْمُكَاتَبَ الْمَفْقُودَ، وَلَا يُنْفِقْ عَلَى وَلَدِهِ الصِّغَارِ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي لِمَنْ هَذَا الْمَالُ، فَإِنَّهُ كَمَا لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِحْقَاقُ فِيهِ لِلْإِخْوَةِ لَمْ يَثْبُتْ لِلْأَبِ الْمَفْقُودِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْ غَيْرِهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ حَيَاتَهُ حَقِيقَةً وَقْتَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ.

وَلَوْ ادَّعَى مَمْلُوكُ الْمَفْقُودِ الْعِتْقَ، وَأَقَامَ بَيِّنَتَهُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ لِانْعِدَامِ خَصْمٍ حَاضِرٍ.

(قَالَ:) وَلَمْ أَدَعْ أَوْلَادَهُ يَبِيعُونَهُ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهُ فَبَعْدَهَا أَوْلَى، وَمُرَادُهُ بَعْدُ مَا كَانُوا يُقِرُّونَ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ، وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَيِّتًا فَالْوَلَدُ خَصْمٌ فِي الْبَيِّنَةِ الَّتِي أَقَامَهَا الْمَمْلُوكُ عَلَى الْعِتْقِ. وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَتْ امْرَأَتُهُ الطَّلَاقَ أَوْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا لَمْ أَقْبَلْ بَيِّنَتَهَا عَلَى ذَلِكَ لِانْعِدَامِ الْخَصْمِ.

[أَوْصَى رَجُلٌ لِلْمَفْقُودِ بِوَصِيَّةٍ]

وَلَوْ أَوْصَى رَجُلٌ لِلْمَفْقُودِ بِوَصِيَّةٍ لَمْ أَقْضِ بِهَا لَهُ، وَلَمْ أُبْطِلْهَا وَلَمْ أُنْفِقْ عَلَى وَلَدِهِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ، وَشَرْطٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْمُوصَى لَهُ بَقَاؤُهُ حَيًّا بَعْد مَوْتِ الْمُوصِي كَالْمِيرَاثِ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يُوقَفُ نَصِيبُهُ مِنْ الْمِيرَاثِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُهُ، وَلَا يُنْفَقُ عَلَى وَلَدِهِ مِنْهُ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ.

(رَجُلٌ) مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَتَيْنِ وَابْنَ ابْنٍ وَبِنْتَ ابْنٍ، وَتَرَكَ ابْنًا مَفْقُودًا، وَتَرَكَ مَالًا فِي يَدِ الِابْنَتَيْنِ فَارْتَفَعُوا إلَى الْقَاضِي، وَأَقَرُّوا أَنَّ الِابْنَ مَفْقُودٌ فَالْقَاضِي لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحَوِّلَ الْمَالَ مِنْ مَوْضِعِهِ، وَلَا يُوقِفُ شَيْئًا مِنْهُ لِلْمَفْقُودِ، وَمُرَادُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ أَنَّهُ لَا يُخْرِجُ شَيْئًا مِنْ أَيْدِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِي لَا يَتَعَرَّضُ لِإِخْرَاجِ الْمَالِ مِنْ يَدِ ذِي الْيَدِ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمِ، وَلَا خَصْمَ هُنَا، فَإِنَّ أَوْلَادَ الْمَفْقُودِ لَا يَدَّعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ شَيْئًا، وَلَا يَكُونُونَ خَصْمًا عَنْ الْمَفْقُودِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى أَنَّ الْمَفْقُودَ حَيٌّ فَيَرِثُ أَوْ مَيِّتٌ فَلَا يَرِثُ

<<  <  ج: ص:  >  >>