فَلِهَذَا لَا يَخْرُجُ الْمَالُ مِنْ أَيْدِيهِمَا بِخِلَافِ مَالِ الْمَفْقُودِ الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّهُ لَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ أَوْلَادِهِ ثَابِتٌ فِي ذَلِكَ الْمَالِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ، فَإِنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ النَّفَقَةَ فِي مِلْكِهِ، وَاسْتِصْحَابُ الْحَالِ مُعْتَبَرٌ فِي إبْقَاءِ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَتْ الِابْنَتَانِ: قَدْ مَاتَ أَخُونَا، وَقَالَ وَلَدُ الِابْنِ: هُوَ مَفْقُودٌ؛ لِأَنَّ مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ قَدْ أَقَرَّ لِوَلَدِ الِابْنِ بِبَعْضِ ذَلِكَ الْمَالِ، وَهُمْ قَدْ رَدُّوا إقْرَارَهُمْ بِقَوْلِهِمْ: أَبُونَا مَفْقُودٌ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ ذَلِكَ الْإِقْرَارِ، وَلَوْ كَانَ مَالُ الْمَيِّتِ فِي يَدَيْ وَلَدِ الِابْنِ الْمَفْقُودِ، وَطَلَبَتْ الِابْنَتَانِ مِيرَاثَهُمَا، وَاتَّفَقُوا أَنَّ الِابْنَ مَفْقُودٌ، فَإِنَّهُ يُعْطَى لِلِابْنَتَيْنِ النِّصْفُ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِاسْتِحْقَاقِ النِّصْفِ لَهُمَا، فَإِنَّ الْمَفْقُودَ إنْ كَانَ حَيًّا فَالْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ أَخِيهِمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَلَهُمَا النِّصْفُ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ وَالْبَاقِي لِوَلَدِ الِابْنِ فَيَدْفَعُ إلَيْهِمَا الْأَقَلَّ وَهُوَ النِّصْفُ، وَيَتْرُكُ الْبَاقِي فِي يَدِ وَلَدِ الِابْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ لَهُمَا، وَلَا لِأَبِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَنْ الْمُسْتَحِقُّ لِهَذَا الْبَاقِي، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ أَجْنَبِيٍّ فَقَالَتْ الِابْنَتَانِ: مَاتَ أَخُونَا قَبْلَ أَبِينَا، وَقَالَ وَلَدُ الِابْنِ: هُوَ مَفْقُودٌ فَإِنْ أَقَرَّ الَّذِي فِي - يَدِهِ الْمَالُ بِالْمَالِ لِلْمَيِّتِ، وَبِأَنَّ الِابْنَ مَفْقُودٌ فَإِنَّهُ يُعْطَى لِلِابْنَتَيْنِ النِّصْفُ أَقَلُّ النَّصِيبَيْنِ لَهُمَا، وَالْبَاقِي مَوْقُوفٌ عَلَى يَدِهِ حَتَّى يَظْهَرَ خَصْمُهُ، وَمُسْتَحِقُّهُ بِظُهُورِ حَالِ الْمَفْقُودِ. وَإِنْ قَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْمَالُ قَدْ مَاتَ الْمَفْقُودُ قَبْلَ أَبِيهِ، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى دَفْع الثُّلُثَيْنِ إلَى الِابْنَتَيْنِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ ذِي الْيَدِ فِيمَا فِي يَدِهِ مُعْتَبَرٌ، وَقَدْ أَقَرَّ بِأَنَّ ثُلُثَيْ مَا فِي يَدِهِ لِلِابْنَتَيْنِ فَيُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ ذَلِكَ إلَيْهِمَا، وَلَا يَمْتَنِعُ صِحَّةُ إقْرَارِهِ يَقُولُ أَوْلَادُ الِابْنِ: أَبُونَا مَفْقُودٌ لِأَنَّهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ بِهَذَا الْقَوْلِ لَا يَدَّعُونَ شَيْئًا، ثُمَّ يُوقَفُ الثُّلُثُ الْبَاقِي عَلَى يَدِ ذِي الْيَدِ حَتَّى يَظْهَرَ خَصْمُهُ وَمُسْتَحِقُّهُ.
وَلَوْ جَحَدَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الْمَالُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ لِلْمَيِّتِ فَأَقَامَتْ الِابْنَتَانِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُمْ مَاتَ وَتَرَكَ هَذَا الْمَالَ مِيرَاثًا لَهُمَا وَلِأَخِيهِمَا الْمَفْقُودِ، فَإِنْ كَانَ حَيًّا فَهُوَ الْوَارِثُ مَعَهُمَا، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَوَلَدُهُ الْوَارِثُ مَعَهُمَا، وَلَا يُعْلَمُ لَهُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ، فَإِنَّهُ يَدْفَعُ إلَى الِابْنَتَيْنِ النِّصْفَ، وَهَذَا لِأَنَّهُمَا بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ يُثْبِتَانِ الْمِلْكَ لِأَبِيهِمَا فِي الْمَالِ، وَالْأَبُ مَيِّتٌ، وَأَحَدُ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ لَهُ بِالْبَيِّنَةِ ثُمَّ يَدْفَعُ إلَيْهِمَا الْقَدْرَ الْمُتَيَقَّنَ بِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ لَهُمَا، وَهُوَ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي يَخْرُجُ مِنْ يَدِ ذِي الْيَدِ فَيُوضَعُ فِي يَدِ عَدْلٍ حَتَّى يَظْهَرَ مُسْتَحِقُّهُ؛ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ قَدْ جَحَدَهُ وَظَهَرَتْ جِنَايَتُهُ بِجُحُودِهِ، فَلَا يُؤْتَمَنُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْعَدَالَةِ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تُتَحَرَّزُ زَمَنَ تَنَاوُلِ مَا يُزْعَمُ أَنَّهُ مِلْكٌ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ، فَذُو الْيَدِ كَانَ هُنَاكَ مُقِرًّا بِأَنَّ الْمَالَ لِلْمَيِّتِ، وَقَدْ انْتَفَتْ الْجِنَايَةُ مِنْهُ بِهَذَا الْإِقْرَارِ فَكَانَ تَرْكُ الْبَاقِي فِي يَدِهِ أَوْلَى لِظُهُورِ أَمَانَتِهِ بِالتَّجْرِبَةِ.
فَإِنْ ادَّعَى وَلَدُ الْمَفْقُودِ أَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ شَهَادَةِ الشُّهُودِ لَمْ أَدْفَعْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute