للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إقْرَارِهِ وَإِقْرَارُهُ بِالْمَالِ بِهَذَا السَّبَبِ صَحِيحٌ كَإِقْرَارِهِ بِالْغَصْبِ.

وَإِقْرَارُ الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَالْمَعْتُوهِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمِ بَاطِلٌ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِمْ.

وَإِقْرَارُ السَّكْرَانِ جَائِزٌ كَإِقْرَارِ الصَّاحِي بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ يَنْفُذُ مِنْ السَّكْرَانِ كَمَا يَنْفُذُ مِنْ الصَّحِيحِ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ أَوْ بِالْحَدِّ أَوْ بِمَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ أَوْ بِمَا لَا يَصِحُّ إذَا لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ؛ لِأَنَّ السُّكْرَ عِبَارَةٌ عَنْ غَلَبَةِ السُّرُورِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي عَقْلِهِ شَيْئًا فَيَنْفُذُ إقْرَارُهُ كَمَا يَنْفُذُ مِمَّنْ هُوَ صَاحٍ. وَكَذَلِكَ الْأَصَمُّ وَالْأَعْمَى وَالْمُقْعَدُ وَالْمَفْلُوجُ فَهَذِهِ الْآفَاتِ لَا تُؤَثِّرُ فِي عَقْلِهِ وَلَا فِي لِسَانِهِ فَهُوَ فِي أَقَارِيرِهِ كَالصَّاحِي.

وَإِقْرَارُ الْأَخْرَسِ إذَا كَانَ يَكْتُبُ وَيَعْقِلُ جَائِزٌ فِي الْقِصَاصِ وَحُقُوقِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ لَهُ إشَارَةً مَفْهُومَةً تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ بِتِلْكَ الْإِشَارَةِ وَيَحْتَاجُ إلَى الْمُعَامَلَةِ مَعَ النَّاسِ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ مَا خَلَا الْحُدُودَ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ بِهَا يَسْتَدْعِي التَّصْرِيحَ بِلَفْظِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَبِإِشَارَتِهِ لَا يَحْصُلُ هَذَا، وَلِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ فَلَعَلَّ فِي نَفْسِهِ شُبْهَةً لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إظْهَارِهَا بِإِشَارَتِهِ إذْ هُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إظْهَارِ كُلِّ شَيْءٍ بِإِشَارَتِهِ وَلِهَذَا لَا تُقَامُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ بِالْبَيِّنَةِ أَيْضًا لِأَنَّا لَوْ أَقَمْنَاهَا كَانَ إقَامَةً لِلْحَدِّ مَعَ الشُّبْهَةِ.

وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْأَبِ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ الْمَعْتُوهِ بِشَيْءٍ مِنْ مَالٍ أَوْ جِنَايَةٍ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ مِنْهُ عَلَى غَيْرِهِ وَشَهَادَةُ الْوَاحِدِ عَلَى غَيْرِهِ لَا تَكُونُ مُلْزِمَةً، وَلِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ عَلَى وَلَدِهِ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ فِي الْمَصْلَحَةِ لَهُ عَاجِلًا، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِإِقْرَارِهِ عَلَيْهِ، وَكَانَ هُوَ فِي الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْإِقْرَارِ بِالْكِتَابِ]

(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا كَتَبَ الرَّجُلُ ذِكْرَ حَقٍّ عَلَى نَفْسِهِ بِشَهَادَةِ قَوْمٍ أَوْ كَتَبَ وَصِيَّةً، ثُمَّ قَالَ اشْهَدُوا بِهَذَا لِفُلَانٍ عَلَيَّ، وَلَمْ يَقْرَأْ عَلَيْهِمْ الصَّكَّ، وَلَمْ يَقْرَأْهُ عَلَيْهِ فَهَذَا جَائِزٌ إذَا كَتَبَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ بِيَدِهِ أَوْ أَمْلَاهُ عَلَى إنْسَانٍ فَكَتَبَهُ؛ لِأَنَّ الْمَكْتُوبَ مَعْلُومٌ لَهُمْ، وَهُوَ بِقَوْلِهِ اشْهَدُوا بِهَذَا لِفُلَانٍ عَلَيَّ صَارَ مُقِرًّا بِجَمِيعِ مَا فِي الْكِتَابِ مُشْهِدًا لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَا إظْهَارَ أَتَمَّ مِنْ هَذَا فَالْإِقْرَارُ بَيَانٌ بِاللِّسَانِ، وَذَلِكَ بِالْإِمْلَاءِ حَاصِلٌ، وَلَكِنْ لَا يُؤْمَنُ النِّسْيَانُ فَالْكِتَاب يُؤْمَنُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَكُونُ مِنْ الْبَيَانِ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا كِتَابَتَهُ وَلَا إمْلَاءَهُ لَمْ تَجُزْ شَاهِدَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِمَا فِي الْكِتَابِ حِينَ لَمْ يَقْرَأْهُ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: ٨٦] فَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا شَهِدَ عَلَيْهِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ.

وَإِنْ كَتَبَ رَجُلٌ كِتَابًا إلَى رَجُلٍ مِنْ فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ لَكَ عَلَيَّ مِنْ قِبَلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>