للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَبْطُلُ هَذَا الصُّلْحُ عِنْدَ عَجْزِهَا، وَيَجْبُرُهَا عَلَى السِّعَايَةِ فِي الْقِيمَةِ لِإِسْلَامِهَا مَعَ إصْرَارِ مَوْلَاهَا عَلَى الْكُفْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[كِتَابُ الْحِيَلِ]

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إمْلَاءً اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي كِتَابِ الْحِيَلِ أَنَّهُ مِنْ تَصْنِيفِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَمْ لَا كَانَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيُّ يُنْكِرُ ذَلِكَ، وَيَقُولُ: مَنْ قَالَ: إنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَنَّفَ كِتَابًا سَمَّاهُ الْحِيَلَ فَلَا تُصَدِّقْهُ، وَمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ، فَإِنَّمَا جَمَعَهُ وَرَّاقُو بَغْدَادَ.

وَقَالَ: إنَّ الْجُهَّالَ يَنْسُبُونَ عُلَمَاءَنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إلَى ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّعْيِيرِ، فَكَيْفَ يُظَنُّ بِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ سَمَّى شَيْئًا مِنْ تَصَانِيفِهِ بِهَذَا الِاسْمِ لِيَكُونَ ذَلِكَ عَوْنًا لِلْجُهَّالِ عَلَى مَا يَتَقَوَّلُونَ وَأَمَّا أَبُو حَفْصٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ يَقُولُ: هُوَ مِنْ تَصْنِيفِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَكَانَ يَرْوِي عَنْهُ ذَلِكَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَإِنَّ الْحِيَلَ فِي الْأَحْكَامِ الْمُخْرِجَةِ عَنْ الْإِمَامِ جَائِزَةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَإِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَعَسِّفِينَ لِجَهْلِهِمْ وَقِلَّةِ تَأَمُّلِهِمْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ مِنْ الْكِتَابِ - قَوْله تَعَالَى - {: وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} [ص: ٤٤] هَذَا تَعْلِيمُ الْمَخْرَجِ لِأَيُّوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ يَمِينِهِ الَّتِي حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ زَوْجَتَهُ مِائَةً، فَإِنَّهُ حِينَ قَالَتْ: لَهُ لَوْ ذَبَحْتَ عَنَاقًا بِاسْمِ الشَّيْطَانِ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ أَوْرَدَهَا أَهْلُ التَّفْسِيرِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَقَالَ - تَعَالَى -: {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجِهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ} [يوسف: ٧٠] إلَى قَوْلِهِ {ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} [يوسف: ٧٦] وَذَلِكَ مِنْهُ حِيلَةٌ، وَكَانَ هَذَا حِيلَةً لِإِمْسَاكِ أَخِيهِ عِنْدَهُ حِينَئِذٍ لِيُوقِفَ إخْوَتَهُ عَلَى مَقْصُودِهِ.

وَقَالَ جَلَّ جَلَالُهُ حِكَايَةً عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {سَتَجِدُنِي إنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} [الكهف: ٦٩]، وَلَمْ يَقُلْ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَ سَلَامَتَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ، وَهُوَ مَخْرَجٌ صَحِيحٌ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: ٢٣] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٤] وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ لِعُرْوَةِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي شَأْنِ بَنِي قُرَيْظَةَ فَلَعَلَّنَا أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ، فَلَمَّا قَالَ لَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ذَلِكَ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْحَرْبُ خُدْعَةٌ»، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ اكْتِسَابُ حِيلَةٍ وَمَخْرَجٍ مِنْ الْإِثْمِ بِتَقْيِيدِ الْكَلَامِ بِلَعَلَّ «وَلَمَّا أَتَاهُ رَجُلٌ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ ثَلَاثًا أَنْ لَا يُكَلِّمَ أَخَاهُ قَالَ لَهُ: طَلِّقْهَا وَاحِدَةً، فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَكَلِّمْ أَخَاكَ ثُمَّ تَزَوَّجْهَا».

وَهَذَا تَعْلِيمُ الْحِيلَةِ وَالْآثَارُ فِيهِ كَثِيرَةٌ، مَنْ تَأَمَّلَ أَحْكَامَ الشَّرْعِ وَجَدَ الْمُعَامَلَاتِ كُلَّهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>