الْوَكَالَةَ تَعَلَّقَتْ بِتِلْكَ الْعَيْنِ، فَإِنَّهَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعَقْدِ.
وَإِذَا وَكَّلَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ يَصْرِفُهَا لَهُ بِدَنَانِيرَ فَصَرَفَهَا الْوَكِيلُ بِدَنَانِيرَ كُوفِيَّةٍ، فَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ وَزْنَ الْكُوفِيَّةِ كُوفِيَّةٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ -: أَمَّا الْيَوْمَ فَإِنْ صَرَفَهَا بِكُوفِيَّةٍ مُقَطَّعَةٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ وَزْنَ الْكُوفِيَّةِ الْيَوْمَ عَلَى الشَّامِيَّةِ الثِّقَالِ، وَإِنَّمَا جَازَ قَبْلَ الْيَوْمِ، فَإِنْ صَرَفَهَا بِكُوفِيَّةٍ مُقَطَّعَةٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ وَزْنَ الْكُوفِيَّةِ كَانَ عَلَى الْكُوفِيَّةِ الْمُقَطَّعَةِ النَّقْصِ، وَهَذَا اخْتِلَافُ عَصْرِنَا، فَأَبُو حَنِيفَةَ أَفْتَى بِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْمُعَامَلَةُ فِي عَصْرِهِ، وَهُمَا كَذَلِكَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ: يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ مَكَان وَزَمَانٍ مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ مَقْصُودَ الْمُوَكِّلِ ذَلِكَ بِغَالِبِ الرَّأْيَ.
وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي بِهَذِهِ الدَّنَانِيرِ غَلَّةً، وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ غَلَّةَ الْكُوفَةِ، أَوْ بَغْدَادَ فَاشْتَرَى لَهُ غَلَّةَ الْكُوفَةِ جَازَ، وَإِنْ اشْتَرَى لَهُ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ غَلَّةِ الْبَصْرَةِ، أَوْ بَغْدَادَ أَوْ دَرَاهِمَ غَيْرَ الْغَلَّةِ، لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلَ غَلَّةِ الْكُوفَةِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ إنَّمَا يَصِيرُ مُمْتَثِلًا إذَا حَصَلَ مَقْصُودُ الْمُوَكِّلِ، وَمَقْصُودُهُ غَلَّةُ الْكُوفَةِ، فَإِنْ كَانَ مَا اشْتَرَى مِثْلَ غَلَّةِ الْكُوفَةِ فَقَدْ حَصَلَ مَقْصُودُهُ.
وَإِنْ قَالَ لَهُ: بِعْ هَذِهِ الْأَلْفَ دِرْهَمٍ بِدَنَانِيرَ شَامِيَّةٍ فَبَاعَهَا بِالْكُوفِيَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ الْكُوفِيَّةُ غَيْرَ مُقَطَّعَةٍ، وَكَانَ وَزْنُهَا شَامِيَّةً فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْآمِرِ؛ لِحُصُولِ مَقْصُودِهِ قَالَ: وَلَيْسَ الدَّنَانِيرُ فِي هَذَا كَالدَّرَاهِمِ فَإِنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ شِرَاءِ الْغَلَّةِ الْإِنْفَاقُ فِي حَوَائِجِهِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بَغْلَةِ الْكُوفَةِ، أَوْ مِثْلِهَا، وَمَقْصُودُهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ الرِّبْحُ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْوَزْنِ فَإِنْ كَانَ وَزْنُ الْكُوفِيَّةِ مِثْلَ وَزْنِ الشَّامِيَّةِ؛ فَقَدْ حَصَلَ مَقْصُودُهُ، وَلَوْ قَالَ: بِعْهَا بِدَنَانِيرَ عِتْقٍ فَبَاعَهَا بِالشَّامِيَّةِ، لَا يَجُوزُ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِهَذَا لِمَا لِلْعِتْقِ مِنْ الصَّرْفِ عَلَى الشَّامِيَّةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[بَابُ الْعَيْبِ فِي الصَّرْفِ]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا اشْتَرَى سَيْفًا مُحَلَّى بِدَرَاهِمَ أَكْثَرَ مِمَّا فِيهِ، وَتَقَابَضَا، وَتَفَرَّقَا، ثُمَّ وَجَدَ بِالسَّيْفِ عَيْبًا فِي نَصْلِهِ، أَوْ جَفْنِهِ، أَوْ حَمَائِلِهِ، أَوْ حِلْيَتِهِ، فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ لِفَوَاتِ وَصْفِ السَّلَامَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ لَهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ، فَإِنْ رَدَّهُ، وَقَبِلَهُ مِنْهُ صَاحِبُهُ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ، فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بَعْدَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ كَالْإِقَالَةِ، مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَعْتَمِدُ التَّرَاضِيَ، وَالْإِقَالَةُ فِي الصَّرْفِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ الْجَدِيدِ، فِي وُجُوبِ التَّقَابُضِ بِهِ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ: فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي غَيْرِهِمَا، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ الْجَدِيدِ فِي حَقِّ الشَّرْعِ، وَاسْتِحْقَاقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute