[بَابُ الْحَلِفِ فِي الْكَفَالَةِ]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ لَا يَضْمَنُ لِفُلَانٍ شَيْئًا فَضَمِنَ لَهُ بِنَفْسٍ أَوْ مَالٍ فَهُوَ حَانِثٌ لِأَنَّهُ قَدْ ضَمِنَ لَهُ فَالْمَفْهُومُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ شَيْءٍ مَضْمُونٍ لَهُ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَفَلَ أَوْ قَبِلَ الْحَوَالَةَ لَهُ وَقَالَ: فِي الْحَوَالَةِ ضَمَانٌ وَزِيَادَةٌ وَالْكَفَالَةُ وَالضَّمَانُ عِبَارَتَانِ عَنْ عَقْدٍ وَاحِدٍ. وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِأَمْرِهِ فَهَذَا لَيْسَ بِضَمَانٍ وَإِنَّمَا هَذَا الْتِزَامٌ لِعَقْدِ الشِّرَاءِ وَعَقْدُ الشِّرَاءِ لَا يُسَمَّى كَفَالَةً عُرْفًا وَفِي الْأَيْمَانِ يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ. وَلَوْ ضَمِنَ لِعَبْدِهِ أَوْ مُضَارِبِهِ أَوْ شَرِيكٍ لَهُ مُفَاوِضٌ أَوْ عَنَانٍ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَقَعَ لِغَيْرِهِ فَإِنَّ الْمَضْمُونَ مَا تَجِبُ بِهِ الْمُطَالَبَةُ قِبَلَ الضَّامِنِ بِعَقْدِ الضَّمَانِ وَهُوَ غَيْرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَأَمَّا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ إنْ تَوَجَّهَتْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ فَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ سَبَبٍ آخَرَ دُونَ عَقْدِ الضَّمَانِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الرَّدَّ وَالْقَبُولَ إنَّمَا يُعْتَبَرَانِ مِمَّنْ ضَمِنَهُ لَهُ دُونَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ ضَمِنَ الرَّجُلُ فَمَاتَ فَوَرِثَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ صَارَ الضَّمَانُ لَهُ فِي الِانْتِهَاءِ لِأَنَّ الْأَصْلَ كَانَ لِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ بِاعْتِبَارِ سَبَبٍ آخَرَ وَهُوَ الْخِلَافَةُ عَنْ الْمُوَرَّثِ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَضْمَنُ لِأَحَدٍ شَيْئًا فَضَمِنَ إنْسَانٌ مَا أَدْرَكَهُ مِنْ دَرَكٍ فِي دَارٍ اشْتَرَاهَا أَوْ عَبْدٍ؛ حَنِثَ لِأَنَّهُ قَدْ ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي. (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يُسَمَّى فِي النَّاسِ ضَامِنًا مَنْ كَانَ ضَامِنًا لِلدَّرَكِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ: إنْ لَمْ يُوَفِّك فُلَانٌ مَالَك إذَا حَلَّ أَوْ: إنْ مَاتَ فُلَانٌ قَبْلَ أَنْ يُوَفِّيَك؛ فَهُوَ عَلَيَّ أَوْ: فَأَنَا لَهُ ضَامِنٌ؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا لَهُ وَيَكُونُ حَانِثًا فِي يَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُطَالَبَةُ مُتَأَخِّرَةً عَنْهُ إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا صَرَّحَ بِهِ وَلَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا فِي الْحَالِ فَكَذَلِكَ فِي الدَّرَكِ.
وَلَوْ ضَمِنَ لِرَجُلٍ غَائِبٍ لَمْ يُخَاطِبْ عَنْهُ أَحَدٌ؛ لَمْ يَحْنَثْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَيَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى مَا سَبَقَ أَنَّ الْكَفَالَةَ لِلْغَائِبِ إذَا لَمْ يَقْبَلْ عَنْهُ أَحَدٌ بَاطِلَةٌ فِي قَوْلِهِمَا؛ فَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالضَّمَانُ لَازِمٌ لِلْكَفِيلِ فَيَكُونُ حَانِثًا فِي يَمِينِهِ وَلَوْ خَاطَبَهُ عَنْهُ مُخَاطِبٌ؛ حَنِثَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ صَحِيحٌ فِي حَقِّ الضَّامِنِ وَإِنْ كَانَ لِلْمَضْمُونِ لَهُ الْخِيَارُ إذَا بَلَغَهُ بَيْنَ أَنْ يَرْضَى بِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّهُ فَيَتِمَّ بِهِ شَرْطُ الْحِنْثِ فِي حَقِّهِ وَلَوْ ضَمِنَ لِصَبِيٍّ لِأَنَّ أَبَاهُ أَوْ وَصِيَّهُ لَوْ أَجَازَ ذَلِكَ؛ جَازَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ ضَمِنَ الْغَائِبُ فَيَتِمُّ فِي حَقِّهِ إذَا خَاطَبَهُ بِهِ مُخَاطِبٌ.
وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ يَحْلِفُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا فَضَمِنَ؛ فَهُوَ حَانِثٌ لِأَنَّ يَمِينَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ يَنْعَقِدُ لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا وَالِالْتِزَامُ بِالضَّمَانِ صَحِيحٌ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ لِحَقِّ مَوْلَاهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute