فَكَمَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ فَكَذَلِكَ الْمُفْتَرِضُ بِالْمُتَنَفِّلِ.
(وَلَنَا) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْإِمَامُ ضَامِنٌ» مَعْنَاهُ تَتَضَمَّنُ صَلَاتُهُ صَلَاةَ الْقَوْمِ وَتَضْمِينُ الشَّيْءِ فِيمَا هُوَ فَوْقَهُ يَجُوزُ وَفِيمَا هُوَ دُونَهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْمَعْنَى فِي الْفَرْقِ، فَإِنَّ الْفَرْضَ يَشْتَمِلُ عَلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ وَالصِّفَةِ، وَالنَّفَلُ يَشْتَمِلُ عَلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ فَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ مُفْتَرِضًا فَصَلَاتُهُ تَشْتَمِلُ عَلَى صَلَاةِ الْمُقْتَدِي وَزِيَادَةٍ فَصَحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ مُتَنَفِّلًا فَصَلَاتُهُ لَا تَشْتَمِلُ عَلَى مَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ لِأَنَّهُ بَنَى الْقَوِيَّ عَلَى أَسَاسٍ ضَعِيفٍ.
وَحَدِيثُ مُعَاذٍ تَأْوِيلُهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنِيَّةِ النَّفْلِ لِيَتَعَلَّمَ مِنْهُ سُنَّةَ الْقِرَاءَةِ ثُمَّ يَأْتِيَ قَوْمَهُ فَيُصَلِّيَ بِهِمْ الْفَرْضَ، وَهَذَا عَلَى أَنَّ تَغَايُرَ الْفَرْضَيْنِ عِنْدَنَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ حَتَّى إذَا اقْتَدَى مُصَلِّي الظُّهْرِ بِمُصَلِّي الْعَصْرِ أَوْ مُصَلِّي عَصْرِ يَوْمِهِ بِمُصَلِّي عَصْرِ أَمْسِهِ لَمْ يَجُزْ الِاقْتِدَاءُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ.
وَإِذَا اقْتَدَى مُصَلِّي الظُّهْرِ بِمُصَلِّي الْجُمُعَةِ أَوْ مُصَلِّي الظُّهْرِ بِالْمُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ فَلَهُ فِيهِ وَجْهَانِ وَهَذَا الْخِلَافُ يَنْبَنِي عَلَى أَصْلٍ نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا هُوَ أَنَّ الْمُشَارَكَةَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي لَا تَقْوَى عِنْدَهُ حَتَّى إذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِمَامَ مُحْدِثٌ فَصَلَاةُ الْمُقْتَدِي عِنْدَهُ صَحِيحَةٌ. وَعِنْدَنَا الْمُشَارَكَةُ تَقْوَى بَيْنَهُمَا فَتَغَايُرُ الْفَرْضَيْنِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْمُشَارَكَةِ ثُمَّ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا فِي التَّطَوُّعِ مُقْتَدِيًا بِالْإِمَامِ حَتَّى لَوْ ضَحِكَ قَهْقَهَةً يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ فِي أَصْلِ الصَّلَاةِ صَحِيحٌ إنَّمَا لَا يَصِحُّ فِي الْجِهَةِ.
وَفِي بَابِ الْحَدَثِ قَالَ: لَا يَصِيرُ شَارِعًا حَتَّى لَوْ قَهْقَهَ لَا يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ. وَمَا ذُكِرَ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا أَنَّ أَصْلَ الصَّلَاةِ يَنْفَصِلُ عَنْ الْجِهَةِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً وَمَا ذُكِرَ بَعْدَ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْجِهَةَ مَتَى فَسَدَتْ صَارَ خَارِجًا مِنْ الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ نَصَّ فِي زِيَادَاتِ الزِّيَادَاتِ
[أَذَانُ الْعَبْدِ وَالْأَعْمَى وَوَلَدِ الزِّنَا وَالْأَعْرَابِيِّ]
قَالَ (وَيَجُوزُ أَذَانُ الْعَبْدِ وَالْأَعْمَى وَوَلَدِ الزِّنَا وَالْأَعْرَابِيِّ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ الْإِعْلَامُ حَاصِلٌ وَغَيْرُهُمْ أَوْلَى.
أَمَّا الْعَبْدُ فَلِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى لَا يَتَفَرَّغُ لِمُحَافَظَةِ الْمَوَاقِيتِ وَرُوِيَ أَنَّ وَفْدًا جَاءُوا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقَالَ مَنْ يُؤَذِّنُ لَكُمْ؟ فَقَالُوا: عَبِيدُنَا، قَالَ: إنَّ هَذَا لَنَقْصٌ بِكُمْ. وَأَمَّا الْأَعْمَى فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى الرُّجُوعِ إلَى غَيْرِهِ فِي مَعْرِفَةِ الْمَوَاقِيتِ وَكَانَ لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُؤَذِّنٌ أَعْمَى يُقَالُ لَهُ مَعْبَدٌ فَقَالَ لَهُ: لَا تَكُنْ آخِرَ مَنْ يُقِيمُ وَلَا أَوَّلَهُمْ.
وَأَمَّا وَلَدُ الزِّنَا وَالْأَعْرَابِيِّ فَالْغَالِبُ عَلَيْهِمْ الْجَهْلُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْأَذَانَ ذِكْرٌ مُعَظَّمٌ فَيُخْتَارُ لَهُ مَنْ يَكُونُ مُحْتَرَمًا فِي النَّاسِ مُتَبَرَّكًا بِهِ وَلِهَذَا قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَكُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute