مِنْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا يَكُونُ مُمْتَنِعًا مِنْ الْبَيْعِ الْجَائِزِ فَهُوَ طَائِعٌ فِيمَا أَتَى بِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ بَيْعًا جَائِزًا، وَيَدْفَعَهُ إلَيْهِ، فَبَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا، وَدَفَعَهُ إلَيْهِ، فَهَلَكَ عِنْدَهُ، فَلِلْبَائِعِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرَهَ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ مَا أُمِرَ بِهِ، فَإِنَّهُ، وَإِنْ أَتَى بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ يَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا لِكَوْنِهِ مُكْرَهًا عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ أَتَى بِدُونِ مَا أَمَرَهُ بِهِ، وَالْمُمْتَنِعُ مِنْ الْبَيْعِ الْجَائِزِ يَكُونُ مُمْتَنِعًا مِنْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَإِنَّمَا هَذَا بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ نَقْدِ بَيْتِ الْمَالِ، فَبَاعَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَيْهِ جَازَ، وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِأَلْفٍ، فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ جَازَ، وَلَمْ يَكُنْ مُكْرَهًا، فَكَذَلِكَ فِيمَا سَبَقَ.
وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَهَبَ لَهُ نِصْفَ هَذِهِ الدَّارِ مَقْسُومًا، وَيَدْفَعَهُ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، فَوَهَبَ لَهُ الدَّارَ كُلَّهَا، وَدَفَعَهَا إلَيْهِ جَازَتْ الْهِبَةُ فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يُقَسِّمَ، ثُمَّ يَهَبَ لَهُ، فَحِينَ، وَهَبَ الدَّارَ كُلَّهَا قَبْلَ أَنْ يُقَسِّمَ، فَقَدْ خَالَفَ مَا أَمَرَهُ، وَكَذَلِكَ هَذَا الْقِيَاسُ فِي الْبَيْعِ لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَهُ نِصْفَ الدَّارِ مَقْسُومًا، فَبَاعَهُ الدَّارَ كُلَّهَا؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، فَهُوَ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَا يَكُونُ مُطِيعًا لَهُ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ، وَلِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ مُخَالِفًا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الْقِسْمَةِ، وَفِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَا نَدْرِي، أَيَّ شَيْءٍ يَضْمَنُهُ؟؛ لِأَنَّ بَيْنَ نِصْفَيْ الدَّارِ مَقْسُومًا تَفَاوُتًا فِي الْمَالِيَّةِ، وَمَعَ الْجَهَالَةِ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الضَّمَانِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ لَا أُجِيزُ هِبَتَهُ، وَلَا بَيْعَهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَبْطُلَ هِبَتُهُ، فَمَا كَانَ مُكْرَهًا عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يُبْطِلُ هِبَتَهُ، فَكَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ الصَّفْقَةُ وَاحِدَةٌ، فَإِذَا بَطَلَتْ فِي الْبَعْضِ بَطَلَتْ فِي الْكُلِّ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَهَبَ لَهُ، أَوْ يَبِيعَهُ بَيْتًا مِنْ هَذِهِ الْبُيُوتِ، فَبَاعَهُ الْبُيُوتَ كُلَّهَا، أَوْ، وَهَبَهَا كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا فِي الِاسْتِحْسَانِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَطَلَ فِي بَعْضِ الْبُيُوتِ لِلْإِكْرَاهِ، فَيَبْطُلُ فِيمَا بَقِيَ لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ، وَجَهَالَةِ مَا يَنْفُذُ فِيهِ الْعَقْدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْإِكْرَاهِ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ عَنْ غَيْرِهِ.]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَلَوْ أَنَّ لِصًّا أَكْرَهَ رَجُلًا بِوَعِيدِ تَلَفٍ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَقَبِلَ الْمُعْتَقُ عَنْهُ طَائِعًا، فَالْعَبْدُ حُرٌّ عَنْ الْمُعْتَقِ عَنْهُ، وَالْوَلَاءُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَوْ كَانَ طَائِعًا فِي هَذَا الْإِيجَابِ كَانَ الْعَبْدُ حُرًّا عَلَى الْمُعْتَقِ عَنْهُ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مُكْرَهًا إذْ لَا تَأْثِيرَ لِلْإِكْرَاهِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْعِتْقِ، فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ طَائِعًا يَصِيرُ كَأَنَّهُ مَلَكَ الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَأَعْتَقَهُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْعِتْقِ عَنْ الْمُعْتَقِ عَنْهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الْمُكْرَهِ بِعِوَضٍ يَكُونُ فَاسِدًا، وَالْمِلْكُ بِالسَّبَبِ الْفَاسِدِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَلَمْ يُوجَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute