يُبَيِّنْ الَّذِي لَزِمَهُ الْعَقْدُ فِيهِ مِنْهُمَا فَهَذَا فَاسِدٌ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا، وَإِنَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَزِمَهُ الْعَقْدُ فِيهِ مَعْلُومٌ، وَثَمَنُهُ مُسَمًّى مَعْلُومٌ وَاَلَّذِي لَهُ الْخِيَارُ فِيهِ مَعْلُومٌ فَكَأَنَّ الْعَقْدَ فِي صَفْقَتَيْنِ مُتَفَرِّقَتَيْنِ، فَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِيهِ وَالْآخَرُ فِي صَفْقَةٍ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَزِمَهُ الْعَقْدُ فِيهِ مَعِيبًا وَقَبَضَهُمَا وَمَاتَا فِي يَدِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَقِيمَتِهِمَا؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُمَا بِحُكْمِ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
[بَابُ الْخِيَارِ بِغَيْرِ الشَّرْطِ]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ جِرَابَ هَرَوِيٍّ أَوْ زَيْتًا فِي زِقٍّ أَوْ حِنْطَةً فِي جُوَالِقَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ لَمْ يَكُنْ جِنْسُ الْمَبِيعِ مَعْلُومًا لِلْمُشْتَرِي فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ جِنْسُ الْمَبِيعِ مَعْلُومًا فَلَهُ فِيهِ قَوْلَانِ اُحْتُجَّ فِي ذَلِكَ «بِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» وَالْغَرَرُ مَا يَكُونُ مَسْتُورَ الْعَاقِبَةِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِيمَا لَمْ يَرَهُ «وَبِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ» وَالْمُرَادُ مَا لَيْسَ بِحَاضِرٍ مَرْئِيًّا لِلْمُشْتَرِي لِإِجْمَاعِنَا عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا كَانَ رَآهُ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا عِنْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إلَّا الِاسْمَ فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُ مِنْكَ عَبْدًا وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِ وَلَا إلَى مَكَانِهِ وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ جَمِيعَ أَوْصَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مَجْهُولَةٌ وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهَا الرُّؤْيَةُ دُونَ الْخَبَرِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَلْزَمُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ مَعَ سَلَامَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالرِّضَا بِلُزُومِهِ، وَلَوْ كَانَ الْوَصْفُ طَرِيقًا لِلْإِعْلَامِ هُنَا لَكَانَ الْعَقْدُ يَلْزَمُ بِاعْتِبَارِهِ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْمَالِيَّةُ وَمِقْدَارُ الْمَالِيَّةِ لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا إلَّا بِالرُّؤْيَةِ فَالْجَهْلُ بِمِقْدَارِ الْمَالِيَّةِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بِمَنْزِلَةِ انْعِدَامِ الْمَالِيَّةِ فِي إفْسَادِ الْعَقْدِ كَبَيْعِ الْآبِقِ فَإِنَّ الْمَالِيَّةَ فِي الْآبِقِ قَائِمَةٌ حَقِيقَةً، وَلَكِنْ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ لِلْبُعْدِ عَنْ الْيَدِ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ كَفَوَاتِ الْمَالِيَّةِ فِي الْمَنْعِ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَنِينِ فِي الْبَطْنِ وَبَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ نَوْعَانِ: بَيْعُ عَيْنٍ، وَبَيْعُ دَيْنٍ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْمَبِيعِ فِيمَا هُوَ دَيْنٌ الْوَصْفُ يَعْنِي الْمُسْلَمَ فِيهِ وَفِي مَا هُوَ عَيْنُ الْمُشَاهَدَةِ ثُمَّ مَا هِيَ الطَّرِيقَةُ لِمَعْرِفَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ، وَهُوَ الْوَصْفُ إذَا تَرَاخَى عَنْ حَالَةِ الْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ فَكَذَلِكَ مَا هُوَ الطَّرِيقُ لِلْمَعْرِفَةِ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ؟.
وَهُوَ الرُّؤْيَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute