للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا تَأَخَّرَ عَنْ حَالَةٍ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مَا رَوَى فِي الْمَشَاهِيرِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ» وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ لَمْ يَرَهُ كِنَايَةٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْمُكَنَّى السَّابِقِ وَهُوَ الشَّيْءُ الْمُشْتَرَى، وَالْمُرَادُ خِيَارٌ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ الشِّرَاءِ وَذَلِكَ الْخِيَارُ بَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ وَإِلْزَامِهِ دُونَ خِيَارِ الشِّرَاءِ ابْتِدَاءً وَتَصْرِيحُهُ بِإِثْبَاتِ هَذَا الْخِيَارِ لَهُ تَنْصِيصٌ عَلَى جَوَازِ شِرَائِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسَلَمَةُ بْنُ الْمُجِيرِ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - مُرْسَلًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِشُهْرَتِهِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومُ الْعَيْنِ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْمَرْئِيِّ وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّهُ مُشَارٌ إلَى عَيْنِهِ فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي جَارِيَةٍ قَائِمَةٍ بَيْنَ يَدَيْهِ مَبِيعَةً فَلَا شَكَّ أَنَّ عَيْنَهَا مَعْلُومَةٌ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهَا، وَكَذَلِكَ إنْ أَشَارَ إلَى مَكَانِهَا وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ مُسَمًّى بِذَلِكَ الِاسْمِ غَيْرُهَا فَأَمَّا كَوْنُهَا جَارِيَةً وَكَوْنُهَا مَمْلُوكَةً فَلَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ الْأَخِيرِ التَّابِعِ لَهُ فَإِنَّهَا وَإِنْ رَفَعَتْ النِّقَابَ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِ الْبَائِعِ وَقَدْ أَخْبَرْتُهُ، وَهَذَا لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ يُوجِبُ الْعِلْمَ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ؛ وَلِهَذَا مَنْ عَلِمَ شَيْئًا مَمْلُوكًا لِإِنْسَانٍ ثُمَّ رَآهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ يَبِيعُهُ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِبَيْعِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى خَبَرِهِ فَإِنَّمَا نَفْيُ تَقَدُّمِ رُؤْيَةِ وَجْهِهَا الْجَهْلُ بِصِفَاتِ الْوَجْهِ وَجَوَازُ الْعَقْدِ وَفَسَادُهُ لَا يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِبَعْضِ أَوْصَافِهَا لَا يَكُونُ أَكْثَرَ تَأْثِيرًا مِنْ فَوَاتِ بَعْضِ الْأَوْصَافِ بِأَنْ كَانَتْ مُحْتَرِقَةَ الْوَجْهِ أَوْ مَعِيبَةً بِعَيْبٍ آخَرَ.

وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ يَمْنَعُ لُزُومَ الْعَقْدِ فَكَذَلِكَ الْجَهْلُ لِبَعْضِ الْأَوْصَافِ أَلَا تَرَى أَنَّ عَدَمَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ الْعَقْدَ، وَالْجَهْلُ بِالْمَعْقُودِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَا يَمْنَعُ الْعَقْدَ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا بَاعَ قَفِيزًا مِنْ الصُّبْرَةِ فَإِنَّ عَيْنَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ، وَجَازَ الْعَقْدُ فَدَلَّ أَنَّ تَأْثِيرَ الْعَدَمِ فَوْقَ تَأْثِيرِ الْجَهْلِ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْجَهَالَةَ إنَّمَا تُفْسِدُ الْعَقْدَ إذَا كَانَتْ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ كَمَا فِي شَاةٍ مِنْ الْقَطِيعِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ تُفِضْ إلَى الْمُنَازَعَةِ لَا تُفْسِدُ الْبَيْعَ كَبَيْعِ الْقَفِيزِ مِنْ الصُّبْرَةِ، وَجَهَالَةُ الْأَوْصَافِ بِسَبَبِ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ بَعْدَمَا صَارَ مَعْلُومَ الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا تَأْثِيرُ هَذِهِ الْجَهَالَةِ فِي انْعِدَامِ تَمَامِ الرِّضَا بِهِ وَذَلِكَ شَرْطُ انْبِرَامِ الْعَقْدِ لَا شَرْطُ جَوَازِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ يَجُوزُ مَعَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَلَا يَلْزَمُ لِانْعِدَامِ تَمَامِ الرِّضَا، وَكَذَلِكَ فِي الْعَيْبِ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ السَّبَبَ الْمَانِعَ مِنْ تَمَامِ الرِّضَا شَرْطُ الْخِيَارِ مِنْهُ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>