للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْمَرْهُونِ بِحُكْمِ عَقْدِ الرَّهْنِ. وَإِنْ نَقَصَهَا الزَّرْعُ شَيْئًا ذَهَبَ مِنْ مَالِ الرَّاهِنِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الرَّهْنِ حِينَ كَانَ الْمُرْتَهِنُ مُعِيرًا مِنْ الرَّاهِنِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي تَبْطُلُ وَتَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ]

[قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -]: وَإِذَا شَرَطَ الْمُزَارِعُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ مَعَ حِصَّتِهِ مِنْ الزَّرْعِ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً أَوْ شَيْئًا مِنْ الْعَمَلِ - فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ؛ لِأَنَّ بِاشْتِرَاطِ شَيْءٍ مِنْ الْعَمَلِ عَلَيْهِ تَنْعَدِمُ التَّخْلِيَةُ، وَبِاشْتِرَاطِ الدَّرَاهِمِ عَلَيْهِ يَجْتَمِعُ الْإِجَارَةُ مَعَ الشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْمُزَارَعَةِ.

فَإِنْ قَالَ: أُبْطِلَ الشَّرْطُ لِتَجُوزَ الْمُزَارَعَةُ لَمْ يَجُزْ وَلَمْ يَبْطُلْ بِإِبْطَالِهِ، لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ تَمَكَّنَ فِيمَا هُوَ مِنْ صُلْبِ الْعَقْدِ وَمِنْ مُوجَبَاتِهِ، فَبِإِسْقَاطِهِ لَا يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ صَحِيحًا كَاشْتِرَاطِ الْخَمْرِ مَعَ الْأَلْفِ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ. وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ الْحَصَادَ أَوْ الدِّيَاسَ أَوْ التَّنْقِيَةَ. وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَ الْعَقْدِ فِي هَذَا الشَّرْطِ وَمَا فِيهِ مِنْ اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ ثُمَّ هَذَا الشَّرْطُ مِنْ صُلْبِ الْعَقْدِ فَلَا يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ صَحِيحًا إذَا أَسْقَطَهُ مَنْ شُرِطَ لَهُ.

وَلَوْ اشْتَرَطَا لِأَحَدِهِمَا خِيَارًا مَعْلُومًا فِي الْمُزَارَعَةِ جَازَ عَلَى مَا اشْتَرَطَا؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ فَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، وَإِنْ كَانَ خِيَارًا غَيْرَ مُؤَقَّتٍ أَوْ إلَى وَقْتٍ مَجْهُولٍ - فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ، فَإِنْ أَبْطَلَ صَاحِبُ الْخِيَارِ خِيَارَهُ وَأَجَازَ الْمُزَارَعَةَ جَازَتْ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ زَائِدٌ عَلَى مَا تَمَّ بِهِ الْعَقْدُ فَهُوَ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ فِيمَا هُوَ مُوجَبُ الْعَقْدِ، وَالْمُعَامَلَةُ قِيَاسُ الْمُزَارَعَةِ فِي ذَلِكَ.

وَإِنْ اشْتَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّ مَا صَارَ لَهُ لَمْ يَبِعْهُ وَلَمْ يَهَبْهُ - فَالْمُزَارَعَةُ جَائِزَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَالشَّرْطُ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لَيْسَ لَهُ مُطَالِبٌ فَيَلْغُو وَيَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا.

وَذُكِرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَصْلِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ تَبْطُلُ الْمُزَارَعَةُ بِهَذَا الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى أَحَدِهِمَا، وَالشَّرْطُ الَّذِي فِيهِ الضَّرَرُ كَالشَّرْطِ الَّذِي فِيهِ الْمَنْفَعَةُ لِأَحَدِهِمَا، فَكَمَا أَنَّ ذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ فَكَذَا هَذَا.

قَالَ: لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ فِيهِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا الشَّرْطِ مَنْفَعَةً، وَلَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي فِيهِ مَنْفَعَةٌ يُطَالِبُ بِهِ الْمُنْتَفِعُ، وَالشَّرْطَ الَّذِي فِيهِ الضَّرَرُ لَا تَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ مِنْ أَحَدٍ، فَإِنْ أَبْطَلَ صَاحِبُ الشَّرْطِ شَرْطَهُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي لَمْ تَجُزْ الْمُزَارَعَةُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِي الْبَيْعِ مَنْفَعَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يُبْطَلُ الشَّرْطُ بِإِبْطَالِ أَحَدِهِمَا إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى إبْطَالِهِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ الْعَقْدُ.

وَإِنْ كَانَ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَهَبَ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>