للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ كَنِيسَةً بِعَيْنِهَا فَأَرَادَ أَنْ يَحْمِلَ كَنِيسَةً أَعْظَمَ مِنْهَا، أَوْ قُبَّةً فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا تَعْيِينٌ مُفِيدٌ، وَفِي التَّبْدِيلِ زِيَادَةُ ضَرَرٍ عَلَى دَابَّتِهِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَحْمِلَ كَنِيسَةً دُونَهَا فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا أَخَفُّ عَلَى الْبَعِيرِ مِنْ الْمَشْرُوطِ، وَإِنْ أَرَادَ الْحَمَّالُ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَى مَكَّةَ فَلَيْسَ لَهُ عُذْرٌ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ تَسَلُّمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْرُجَ بِأَنْ يَبْعَثَ بِالْإِبِلِ مَعَ أَجِيرِهِ، أَوْ مَعَ غُلَامِهِ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ عَامَّةِ ذَلِكَ فَهَذَا عُذْرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ إلَّا بِتَحَمُّلِ مَشَقَّةِ السَّفَرِ، وَفِيهِ مِنْ الضَّرَرِ مَا لَا يَخْفَى، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ اكْتَرَى الْإِبِلَ لِحَمْلِ الطَّعَامِ إلَى مَكَّةَ فَبَلَغَهُ كَسَادٌ أَوْ خَوْفٌ، أَوْ بَدَا لَهُ تَرْكُ التِّجَارَةِ فِي الطَّعَامِ فَهَذَا عُذْرٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إلَّا بِضَرَرٍ لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، وَذَلِكَ عُذْرٌ لِفَسْخِ الْإِجَارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا يَعْمَلُ لَهُ فِي بَيْتِهِ]

(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا يَعْمَلُ لَهُ فِي بَيْتِهِ عَمَلًا مُسَمًّى فَفَرَغَ الْأَجِيرُ مِنْ الْعَمَلِ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَمْ يَضَعْهُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى فَسَدَ الْعَمَلُ، أَوْ هَلَكَ وَلَهُ الْأَجْرُ)؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ صَارَ مُسَلَّمًا إلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ مَحْمِلَ الْعَمَلِ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ فِي بَيْتِهِ وَالْبَيْتُ مَعَ مَا فِيهِ فِي يَدِ صَاحِبِ الْبَيْتِ فَكَمَا صَارَ مُسَلَّمًا تَقَرَّرَ الْأَجْرُ فِي ذِمَّتِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْآجِرِ فِيمَا هَلَكَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ؛ لِأَنَّ مَالَ صَاحِبِهِ هَلَكَ فِي يَدِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ يَخِيطُ لَهُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ قَمِيصًا وَخَاطَ بَعْضَهُ، ثُمَّ سَرَقَ مِنْهُ الثَّوْبَ فَلَهُ الْأَجْرُ بِقَدْرِ مَا خَاطَ فَإِنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الْعَمَلِ يَصِيرُ مُسَلَّمًا إلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ بِالْفَرَاغِ مِنْهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ التَّسْلِيمُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ عِنْدَ حُصُولِ كَمَالِ الْمَقْصُودِ فَلَوْ كَانَ اسْتَأْجَرَهُ لِيَخِيطَ فِي بَيْتِ الْأَجِيرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ عَمَلُهُ مُسَلَّمًا إلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ فَإِنَّ الثَّوْبَ فِي يَدِ الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّهُ فِي بَيْتِهِ وَلَا يُقَالُ قَدْ اتَّصَلَ عَمَلُهُ بِمِلْكِ صَاحِبِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ اتِّصَالَ الْعَمَلِ بِمِلْكِهِ يُوجِبُ الْمِلْكَ لَهُ فِيمَا اتَّصَلَ بِهِ، وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ أَصْلُ الثَّوْبِ فِي يَدِهِ فَيَدُهُ لَا تَثْبُتُ عَلَى مَا اتَّصَلَ بِهِ أَيْضًا وَخُرُوجُهُ مِنْ ضَمَانِ الْعَامِلِ وَتَعَذَّرَ الْأَجْرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِ الْيَدِ لَهُ عَلَى الْمُعَوِّلِ.

وَاسْتَشْهَدَ بِمَا قَالَ إنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ يَبْنِي لَهُ حَائِطًا فَبَنَى بَعْضَهُ، أَوْ كُلَّهُ، ثُمَّ انْهَدَمَ فَلَهُ أَجْرُ مَا بَنَى؛ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِ صَاحِبِ الْبِنَاءِ، وَكَذَلِكَ حَفْرُ الْبِئْرِ.

وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَسْتَأْجِرُ الْخَبَّازَ لِيَخْبِزَ لَهُ فِي بَيْتِهِ دَقِيقًا مَعْلُومًا بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ فَخَبَزَهُ، ثُمَّ سَرَقَ فَلَهُ الْأَجْرُ تَامًّا، وَإِنْ سَرَقَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ فَلَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ، وَإِنْ كَانَ يَخْبِزُ فِي بَيْتِ الْخَبَّازِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ شَيْءٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>