فَأَمَّا بَيَانُ التَّرْتِيبِ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَنَقُولُ إذَا تَرَكَ أَبَ الْأُمِّ وَمَعَهُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ فَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ فَقَدْ بَيَّنَّا الِاخْتِلَافَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فَإِنْ كَانَ مَعَهُ الْخَالُ وَالْخَالَةُ فَالْمَالُ كُلُّهُ لِأَبِ الْأُمِّ بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَ أَهْلِ الْقَرَابَةِ؛ لِأَنَّ أَبَ الْأُمِّ اتِّصَالُهُ بِالْأُمِّ بِالْأُبُوَّةِ وَاتِّصَالُ الْخَالَةِ بِالْأُمِّ بِالْأُخْتِيَّةِ وَاتِّصَالُ الْخَالِ بِالْأُخُوَّةِ وَالْأُبُوَّةِ تُقَدَّمُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْأُخُوَّةِ، وَلِأَنَّ الْخَالَةَ أَوْ الْخَالَ يَتَّصِلَانِ بِالْمَيِّتِ بِأَبِ الْأُمِّ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَنْ يَتَّصِلُ إلَى الْمَيِّتِ بِغَيْرِهِ لَا يُزَاحِمُهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَةِ.
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَعَ أَبِ الْأُمِّ الْعَمُّ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّةِ فِي دَرَجَةِ الْخَالَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَبَ الْأُمِّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْخَالَةِ فَكَذَلِكَ عَلَى الْعَمَّةِ، وَلِأَنَّ الْفَاسِدَ مُعْتَبَرٌ بِالصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ أَصْلًا وَالْجَدُّ أَبُ الْأَبِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَمِّ فِي حَقِيقَةِ الْعُصُوبَةِ فَكَذَلِكَ الْجَدُّ أَبِ الْأُمِّ يَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى الْعَمَّةِ
فَإِنْ تَرَكَ أَبَ أَبِ الْأُمِّ وَمَعَهُ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ فَعِنْدَنَا الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ، وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ إذَا كَانَ مَعَ أَبِ أَبِ الْأُمِّ الْعَمَّةُ فَالْعَمَّةُ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ الْخَالَةُ فَعَلَى قِيَاسِ أَبِي بَكْرٍ أَبُو أَبِ الْأُمِّ أَوْلَى بِمَنْزِلَةِ الْجَدِّ وَالْأُخْتِ؛ لِأَنَّهُمَا يُدْلِيَانِ بِأَبِ الْأُمِّ، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ وَزَيْدٍ الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا بِمَنْزِلَةِ الْجَدِّ مَعَ الْأُخْتِ وَقَالَ عِيسَى الْعَمَّةُ أَوْلَى مِنْ أَبِ أَبِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ، وَلِأَنَّ قَرَابَتَهَا قَرَابَةُ الْأَبِ، وَفِي الْعُصُوبَةِ تُقَدَّمُ قَرَابَةُ الْأَبِ، فَأَمَّا الْخَالَةُ إنْ كَانَتْ مَعَ أَبِ أَبِ الْأُمِّ فَأَبُ أَبِ الْأُمِّ أَوْلَى؛ لِأَنَّا نُقِيمُ الْأُمَّ مَقَامَ الْمَيِّتِ فَإِنَّ اتِّصَالَهُمَا جَمِيعًا بِالْمَيِّتِ بِالْأُمِّ، ثُمَّ أَبُ الْأَبِ فِي الْعُصُوبَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأُخْتِ وَالِاسْتِحْقَاقُ بِمَعْنَى الْعُصُوبَةِ فَلِهَذَا قُدِّمَ أَبُو أَبِ الْأُمِّ عَلَى الْخَالَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ الْحَرْقَى وَالْغَرْقَى]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): اتَّفَقَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي الْغَرْقَى وَالْحَرْقَى إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمْ مَاتَ أَوَّلًا أَنَّهُ لَا يَرِثُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَإِنَّمَا يُجْعَلُ مِيرَاثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِوَرَثَتِهِ الْأَحْيَاءِ بِهِ قَضَى زَيْدٌ فِي قَتْلَى الْيَمَامَةِ حِينَ بَعَثَهُ أَبُو بَكْرٍ لِقِسْمَةِ مِيرَاثِهِمْ وَبِهِ قَضَى زَيْدٌ فِي الَّذِينَ هَلَكُوا فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ حِينَ بَعَثَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِقِسْمَةِ مِيرَاثِهِمْ وَبِهِ قَضَى زَيْدٌ فِي قَتْلَى الْحَرَّةِ، وَهَكَذَا نُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَضَى بِهِ فِي قَتْلَى الْجَمَلِ وَصِفِّينَ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَبِهِ أَخَذَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute