مِنْ عُقُودِ التِّجَارَةِ عَلَيْهِ، وَأَخْذُ الْمَالِ لَهُ الْمُضَارَبَةُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، فَمُبَاشَرَةُ الْأَبِ لَهُ كَمُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ أَنْ لَوْ كَانَ بَالِغًا.
وَكَذَلِكَ لَوْ عَمِلَ بِهِ الْأَبُ لِلِابْنِ بِأَمْرِهِ؛ وَلِأَنَّهُ اسْتَعَانَ بِالْأَبِ فِي إقَامَةِ مَا الْتَزَمَ مِنْ الْعَمَلِ بِعَقْدِ الْمُضَارَبَةِ.
وَلَوْ اسْتَعَانَ بِأَجْنَبِيٍّ آخَرَ كَانَ عَمَلُ الْأَجْنَبِيِّ لَهُ بِأَمْرِهِ كَعَمَلِهِ بِنَفْسِهِ، فَكَذَلِكَ إذَا اسْتَعَانَ فِيهِ نَائِبَهُ وَإِنْ كَانَ الِابْنُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْعَمَلِ؛ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْمَالِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ إنَّمَا رَضِيَ بِتَصَرُّفِ الصَّبِيِّ لَا بِتَصَرُّفِ أَبِيهِ فَيَكُونُ الْأَبُ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ، بِخِلَافِ مَالِ الصَّبِيِّ فَلَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِيهِ شَرْعًا لِكَوْنِهِ قَائِمًا مَقَامَ الصَّبِيِّ، وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ فِي هَذَا التَّصَرُّفِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ كَانَ غَاصِبًا ضَامِنًا لِلْمَالِ، وَالرِّبْحُ لَهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَهُ بِكَسْبٍ خَبِيثٍ، وَالْوَصِيُّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ قَائِمٌ مَقَامَهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى النَّظَرِ لِلصَّغِيرِ فِي مَالِهِ.
وَإِذَا دَفَعَ الْمُكَاتَبُ مَالًا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ أَوْ بِأَقَلَّ، أَوْ بِأَكْثَرَ، أَوْ أَخَذَ مَالًا مُضَارَبَةً فَهُوَ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ عَمَلِ التُّجَّارِ، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَكُّ الْحَجْرِ عَنْهُ فِيمَا هُوَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ كَالْعَبْدِ، وَإِنْ دَفَعَهُ الصَّبِيُّ بِغَيْرِ إذْنِ أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ، وَهُوَ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِي التِّجَارَةِ فَعَمِلَ بِهِ الْمُضَارِبُ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ لِلْمَالِ، فَإِذْنُ الصَّبِيِّ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ وَدَفْعُهُ الْمَالَ إلَيْهِ بِدُونِ رَأْيِ الْوَلِيِّ بَاطِلٌ، وَإِذَا كَانَ غَاصِبًا ضَمِنَ الْمَالَ وَمَلَكَ الْمَضْمُونَ بِالضَّمَانِ، وَالرِّبْحُ لَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ مُضَارَبَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْخُذَ الْمُسْلِمُ مِنْ النَّصْرَانِيِّ مَالًا مُضَارَبَةً؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَوْعِ التِّجَارَةِ وَالْمُعَامَلَةِ، أَوْ هُوَ تَوْكِيلٌ مِنْ رَبِّ الْمَالِ إيَّاهُ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ، وَلَا بَأْسَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَلِيَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ لِلنَّصْرَانِيِّ بِوَكَالَتِهِ، وَيُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَدْفَعَ إلَى النَّصْرَانِيِّ مَالًا مُضَارَبَةً وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْقَضَاءِ، كَمَا يُكْرَهُ أَنْ يُوَكَّلَ النَّصْرَانِيُّ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ لِلتَّصَرُّفِ هُنَا النَّصْرَانِيُّ، وَهُوَ لَا يَتَحَرَّزُ عَنْ الزِّيَادَةِ، وَلَا يَهْتَدِي إلَى الْأَسْبَابِ الْمُفْسِدَةِ لِلْعَقْدِ، وَلَا يَتَحَرَّزُ عَنْهَا اعْتِقَادًا.
وَكَذَلِكَ يَتَصَرَّفُ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَيُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُنِيبَ غَيْرَهُ مَنَابَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِيهَا، وَلَكِنْ هَذِهِ الْكَرَاهَةُ لَيْسَتْ لِعَيْنِ الْمُضَارَبَةِ، وَالْوَكَالَةِ فَلَا تَمْتَنِعُ صِحَّتُهَا فِي الْقَضَاءِ.
وَلَا يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَدْفَعَ مَاله إلَى مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ مُضَارَبَةً؛ لِأَنَّ النَّصْرَانِيَّ لَا يَسْتَبِدُّ بِالتَّصَرُّفِ فِي هَذَا الْمَالِ دُونَ الْمُسْلِمِ، وَالْمُسْلِمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute