الْآخَرُ أَنْ يَحْلِفَ لَزِمَهُمَا جَمِيعًا الْمَالُ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ عَنْ الْيَمِينِ كَإِقْرَارِهِ وَلِأَنَّ حَلِفَ أَحَدِهِمَا لَا يُسْقِطُ الْيَمِينَ عَنْ الْآخَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى لَهُمَا عَلَى إنْسَانٍ فَاسْتَحْلَفَ أَحَدُهُمَا الْمَطْلُوبَ فَحَلَفَ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ؛ لِأَنَّ النِّيَابَةَ فِي الِاسْتِحْلَافِ تُجْزِئُ، وَفِي الْحَلِفِ لَا تُجْزِئُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْحَالِفُ مِنْهُمَا نَائِبًا عَنْ صَاحِبِهِ فِي الْيَمِينِ، وَلِأَنَّهُ بَعْدَ مَا حَلَفَ أَحَدُهُمَا كَانَ اسْتِحْلَافُ الْآخَرِ مُفِيدًا؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي التَّحَرُّزِ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ أَمَّا بَعْدَ مَا اسْتَحْلَفَ أَحَدُهُمَا الْمَطْلُوبَ كَانَ اسْتِحْلَافُ الْآخَرِ إيَّاهُ غَيْرَ مُفِيدٍ لِعِلْمِنَا أَنَّهُ يَحْلِفُ لَا مَحَالَةَ.
وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لِابْنِهِ أَوْ لِامْرَأَتِهِ أَوْ لِمُكَاتَبِهِ بِدَيْنٍ لَمْ يُصَدَّقْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ فِيمَا يُوجَبُ لَهُمْ عَلَى الْغَيْرِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا فِي الْمُكَاتَبِ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ يَبِيعُ مِنْ أَحَدِ هَؤُلَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْإِقْرَارِ فِي الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا أَقَرَّ الْمُضَارِبُ بِدَيْنٍ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَجَحَدَهُ رَبُّ الْمَالِ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ التِّجَارَةِ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ وَالْمُضَارِبُ مُسْتَنِدٌ لِمَا هُوَ مِنْ التِّجَارَةِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ فِيهَا بِأَجْرِ أَجِيرِ أَوْ أَجْرِ دَابَّةٍ أَوْ حَانُوتٍ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِإِنْشَاءِ سَبَبِ وُجُوبِ هَذِهِ الدُّيُونِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَصَحَّ إقْرَارُهُ بِهَا، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ الْتِزَامِ الدَّيْنِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ وَيَحْصُلُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ، فَإِنْ كَانَ دَفَعَهَا إلَى رَبِّ الْمَالِ، فَقَالَ: هَذَا مِنْ رَأْسِ مَالِكَ فَاقْبِضْهُ، ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِبَعْضِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّيْنِ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ فِي كَلَامِهِ فَإِنَّ الْمَدْفُوعَ إنَّمَا يَكُونُ سَالِمًا لِرَبِّ الْمَالِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ إذَا فَرَغَ عَنْ الدَّيْنِ فَكَانَ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ مُقِرًّا بِأَنَّهُ لَا دَيْنَ فِيهِ، وَلِأَنَّ حُكْمَ الْمُضَارَبَةِ قَدْ انْتَهَى فِيمَا وَصَلَ إلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْمُضَارِبُ إنْشَاءَ التَّصَرُّفِ فِيهِ. وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي ذَلِكَ.
وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ رَجُلَيْنِ وَمَالُ الْمُضَارَبَةِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَرَبِحَا أَلْفًا فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا أَنَّ خَمْسَمِائَةٍ لِفُلَانٍ، وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ الْأَلْفُ كُلُّهَا رِبْحٌ فَإِنَّ الْمُقِرَّ يُصَدَّقُ فِي مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ مِمَّا فِي يَدِهِ لِفُلَانٍ فَإِنَّ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الْمَالِ، وَقَدْ أَقَرَّ بِخَمْسِمِائَةٍ شَائِعَةٍ فِي الْكُلِّ وَنِصْفُهَا فِيمَا فِي يَدِهِ وَنِصْفُهَا فِيمَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَإِقْرَارُهُ فِيمَا فِي يَدِهِ صَحِيحٌ، وَفِيمَا فِي يَدِ الْآخَرِ بَاطِلٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute