نَزَلَ ثُمَّ رَكِبَ فَقَرَأَهَا وَهُوَ فِي مَكَانِهِ فَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمَكَانَ وَاحِدٌ وَالْمَتْلُوَّ آيَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ قَرَأَهَا رَاكِبًا سَائِرًا مَرَّتَيْنِ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ سَجْدَتَانِ لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ مُضَافٌ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ إيقَافَهَا مَتَى شَاءَ فَكَانَ نَظِيرَ مَشْيِهِ وَهُوَ يَتَبَدَّلُ بِهِ الْمَجْلِسُ بِخِلَافِ رَاكِبِ السَّفِينَةِ فَإِنَّ السَّفِينَةَ فِي حَقِّهِ كَالْبَيْتِ وَهُوَ لَا يُجْرِيهَا بَلْ هِيَ تَجْرِي بِهِ وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْمَكَانَ وَإِنْ تَفَرَّقَ فَإِنَّ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ وَاحِدَةٌ وَالسَّجْدَةُ مِنْ الصَّلَاةِ لَا مِنْ الْمَكَانِ فَيُرَاعِي فِيهَا اتِّحَادَ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ هَذَا إذَا أَعَادَهَا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ أَعَادَهَا فِي رَكْعَتَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا فِي الْمُصَلِّي عَلَى الْأَرْضِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا بَلْ الْجَوَابُ هَهُنَا فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُصَلِّي عَلَى الْأَرْضِ أَنَّ هُنَاكَ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وَذَلِكَ عَمَلٌ كَثِيرٌ يَتَخَلَّلُ بَيْنَ التِّلَاوَتَيْنِ وَالرَّاكِبُ يُومِئُ وَهُوَ عَمَلٌ يَسِيرٌ فَلِهَذَا لَا يَتَجَدَّدُ بِهِ وُجُوبُ السَّجْدَةِ
(قَالَ) فَإِنْ سَمِعَهَا مِنْ غَيْرِهِ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ يَسِيرُ عَلَى الدَّابَّةِ فَعَلَيْهِ سَجْدَتَانِ لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِصَلَاتِيَّةٍ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ اخْتِلَافُ الْأَمْكِنَةِ لِاتِّحَادِ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَلِهَذَا يَلْزَمُهُ بِالسَّمَاعِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ سَجْدَةٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
[بَابُ صَلَاة الْمُسْتَحَاضَةِ]
بَابُ الْمُسْتَحَاضَةِ (قَالَ) وَإِذَا أَدْرَكَهَا الْحَيْضُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْوَقْتِ وَقَدْ افْتَتَحَتْ الصَّلَاةَ أَوْ لَمْ تَفْتَتِحْهَا سَقَطَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ عَنْهَا أَمَّا إذَا حَاضَتْ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَلَيْسَ عَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ إذَا طَهُرَتْ عِنْدَنَا وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: عَلَيْهَا قَضَاؤُهَا لِأَنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَلَا يُسْقِطُ الْوَاجِبَ وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهَا بِإِدْرَاكِ جُزْءٍ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ أَدَّتْ كَانَتْ مُؤَدِّيَةً لِلْفَرْضِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: إذَا مَضَى مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُهَا أَنْ تُصَلِّيَ فِيهِ ثُمَّ حَاضَتْ فَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ لِأَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ الْأَدَاءِ مُعْتَبَرٌ لِتَقَرُّرِ الْوُجُوبِ فَإِذَا وُجِدَ تَقَرَّرَ وُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا فَلَا تَسْقُطُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْحَيْضِ وَقَالَ زُفَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا كَانَ الْبَاقِي مِنْ الْوَقْتِ حِينَ حَاضَتْ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُهَا أَنْ تُصَلِّيَ فِيهِ فَلَيْسَ عَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مُوَسَّعٌ وَإِنَّمَا يَضِيقُ بِآخِرِ الْوَقْتِ وَالْقَضَاءُ يَجِبُ بِالتَّفْوِيتِ فَمَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُ فِيهِ أَدَاءُ الصَّلَاةِ لَمْ تَكُنْ هِيَ مُفَوِّتَةٌ بِالتَّأْخِيرِ شَيْئًا حَتَّى لَا تَكُونَ آثِمَةً مُفْرِطَةً وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي دُونَ ذَلِكَ فَهِيَ آثِمَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute