النِّكَاحِ وَإِنَّمَا شُرِطَ الشُّهُودُ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُ بِهِ الْبُضْعَ فَلِإِظْهَارِ خَطَرِهِ اُخْتُصَّ بِشُهُودٍ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي التَّوْكِيلِ فَإِنَّ الْبُضْعَ لَا يُتَمَلَّكُ بِالتَّوْكِيلِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّوْكِيلِ بِسَائِرِ الْعُقُودِ
(قَالَ:) وَإِذَا أُدْخِلَ عَلَى الرَّجُلِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ فَدَخَلَ بِهَا فَعَلَى الزَّوْجِ مَهْرُ الَّتِي دَخَلَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ بِهَا بِشُبْهَةِ النِّكَاحِ بِخَبَرِ الْمُخْبِرِ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ حُجَّةٌ فَيَصِيرُ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ فَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ وَجَبَ الْمَهْرُ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ، وَلَا تَتَّقِي فِي عِدَّتِهَا مَا تَتَّقِي الْمُعْتَدَّةُ، وَبِنَحْوِهِ قَضَى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ، وَالْحِدَادُ: إظْهَارُ التَّحَزُّنِ عَلَى فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ، وَلَيْسَ لَهَا عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْيَدِ الثَّابِتِ بِالنِّكَاحِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ؛ وَلِأَنَّهُ يَبْقَى بِالْعِدَّةِ مَا كَانَ ثَابِتًا مِنْ النَّفَقَةِ بِأَصْلِ النِّكَاحِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا نَفَقَةٌ مُسْتَحَقَّةٌ هُنَا؛ لِيَبْقَى ذَلِكَ بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ، وَلَا يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ عَلَى الَّذِي أَدْخَلَهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ عِوَضًا عَمَّا اسْتَوْفَى، وَهُوَ الَّذِي نَالَ اللَّذَّةَ بِالِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَرْجِعُ بِالْعِوَضِ عَلَى غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّ الْمُخْبِرَ أَخْبَرَ بِكَذِبٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ شَيْئًا، وَهَذَا الْعَقْدُ مِنْ الْغَرُورِ لَا يُثْبِتُ لَهُ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ كَمَنْ أَخْبَرَهُ بِأَمْنِ الطَّرِيقِ فَسَلَكَ فِيهِ حَتَّى أَخَذَ اللُّصُوصُ مَتَاعَهُ.
(قَالَ:) فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ أُمَّ امْرَأَتِهِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ بِالْمُصَاهَرَةِ، لَهَا عَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ؛ لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ أَيْضًا؛ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ كَانَتْ بِنْتَ امْرَأَتِهِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ بِالْمُصَاهَرَةِ، وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الَّتِي دَخَلَ بِهَا؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْدِ عَلَى الْأُمِّ لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الرَّبِيبَةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ الَّتِي دَخَلَ بِهَا؛ لِأَنَّ بِالدُّخُولِ بِالْبِنْتِ تَحْرُمُ الْأُمُّ عَلَى التَّأْبِيدِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ هُنَاكَ لَا يَتَزَوَّجُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا؛ لِوُجُودِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ عَلَى الْبِنْتِ، وَالدُّخُولِ بِالْأُمِّ وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ أُخْتَ امْرَأَتِهِ أَوْ ذَاتَ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا لَمْ يَقْرُبْ امْرَأَتَهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا؛ لِأَنَّ أُخْتَهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْهُ فَلَوْ قَرُبَهَا كَانَ جَامِعًا مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ الْأَكْفَاءِ]
(قَالَ:) اعْلَمْ أَنَّ الْكَفَاءَةَ فِي النِّكَاحِ مُعْتَبَرَةٌ مِنْ حَيْثُ النَّسَبُ إلَّا عَلَى قَوْلِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا مُعْتَبَرَ فِي الْكَفَاءَةِ مِنْ حَيْثُ النَّسَبُ وَقِيلَ: أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْعَرَبِ فَتَوَاضَعَ وَرَأَى الْمَوَالِيَ أَكْفَاءً لَهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ مِنْ الْمَوَالِي فَتَوَاضَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute