يَتَبَيَّنَ حَالُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْكُومٍ بِمَوْتِهِ، وَلَكِنَّهُ يَشْتَبِهُ الْحَالُ بِمَنْزِلَةِ الْجَنِينِ فِي الْبَطْنِ فَيُوقَفُ نَصِيبُهُ، فَإِنْ ظَهَرَ حَيًّا كَانَ ذَلِكَ مُسْتَحَقًّا لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ حَالُهُ فَذَلِكَ مَرْدُودٌ إلَى وَرَثَةِ صَاحِبِ الْمَالِ عَلَى سِهَامِهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْقُوفِ لِلْجَنِينِ إذَا انْفَصَلَ الْجَنِينُ مَيِّتًا، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ شَرْطُ الِاسْتِحْقَاقِ لَهُ فَيَكُونُ مَوْرُوثًا عَنْ الْمَيِّتِ كَسَائِرِ وَرَثَتِهِ يَوْمَ مَاتَ.
[فُقِدَ الْمُكَاتَبُ وَلَهُ مَالٌ وَوَلَدٌ وُلِدُوا فِي الْمُكَاتَبَةِ]
وَإِذَا فُقِدَ الْمُكَاتَبُ وَلَهُ مَالٌ وَوَلَدٌ وُلِدُوا فِي الْمُكَاتَبَةِ وُقِفَ مَالُهُ حَتَّى يَظْهَرَ حَالُهُ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ مِنْ مَالِهِ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ مَوْتِهِ لِيُحْكَمَ بِحُرِّيَّتِهِ مُسْتَنِدًا إلَى حَالِ حَيَاتِهِ، وَلَمْ يَظْهَرْ مَوْتُهُ، وَكَذَلِكَ اسْتِسْعَاءُ أَوْلَادِهِ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَسْعَى الْوَلَدُ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ بَعْدَ مَوْتِهِ حَقِيقَةً، فَكَيْفَ يُسْتَسْعَى وَلَدُهُ بَعْدَ مَا يَصِيرُ مَفْقُودًا، وَلَهُ مَالٌ، وَيُنْفِقُ عَلَى وَلَدِهِ الصِّغَارِ وَبَنَاتِهِ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْمُكَاتَبَةِ، وَعَلَى امْرَأَتِهِ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا يَسْتَحِقُّونَ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ فِي كَسْبِهِ أَنْ لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَكَذَلِكَ يُنْفَقُ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ مَا يَصِيرُ مَفْقُودًا كَوَلَدِ الْحُرِّ وَزَوْجَتِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ النَّفَقَةِ لِلزَّوْجَةِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ، وَالْحُرُّ وَالْمُكَاتَبُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَأَوْلَادُهُ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْمُكَاتَبَةِ هُوَ أَحَقُّ بِكَسْبِهِمْ فَتَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ مُقَابَلٌ بِالْغُنْمِ، فَإِنْ مَاتَ ابْنٌ لَهُ وُلِدَ فِي مُكَاتَبَتِهِ وَتَرَكَ مَالًا كَانَ مَالُهُ مَوْقُوفًا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَفْقُودُ حَيًّا حِينَ اكْتَسَبَ هَذَا الْوَلَدُ فَكَسْبُهُ لِلْمَفْقُودِ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتَا فَكَسْبُهُ لِوَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ إذَا أُدِّيَتْ كِتَابَةُ أَبِيهِ مِنْ مَالِهِ مُسْتَنِدًا إلَى حَيَاةِ أَبِيهِ، فَلِجَهَالَةِ الْمُسْتَحِقِّ بَقِيَ مَوْقُوفًا، وَإِنْ كَانَ مَالُهُ فِي يَدِ أَخِيهِ لَمْ أُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ، وَلَمْ أَتَعَرَّضْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي لِمَنْ هَذَا الْمَالُ، وَمَا لَمْ يَظْهَرْ مُسْتَحِقٌّ لِلْمَالِ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَتَعَرَّضَ لِذِي الْيَدِ بِإِزَالَةِ يَدِهِ.
وَلَوْ أَقَرَّ وَلَدُ الْمُكَاتَبِ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْمُكَاتَبَةِ وَهُمْ كِبَارٌ أَنَّ أَبُوهُمْ قَدْ مَاتَ وَمَالُهُ فِي أَيْدِيهِمْ، وَأَقَرَّ الْمَوْلَى بِذَلِكَ فَأَدَّوْا الْكِتَابَةَ وَقَسَمُوا الْمَالَ ثُمَّ اخْتَلَفُوا وَجَحَدَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَارْتَفَعُوا إلَى الْقَاضِي نَفَّذَ الْقَاضِي ذَلِكَ عَلَيْهِمْ لِتَقَدُّمِ الْإِقْرَارِ مِنْهُمْ بِذَلِكَ، وَقِسْمَتُهُمْ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمْ، وَلِأَنَّ الَّذِي يَجْحَدُ بَعْدَ ذَلِكَ مُنَاقِضٌ لِكَلَامِهِ، وَالْقَاضِي لَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِ الْمُنَاقِضِ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَقْتَسِمُوا حَتَّى ارْتَفَعُوا إلَيْهِ، وَأَقَرُّوا بِهِ عِنْدَهُ جَازَ إقْرَارُهُمْ عَلَيْهِ، وَقَسَّمَ الْمَالَ بَيْنَهُمْ بَعْدَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمْ فَالثَّابِتُ بِإِقْرَارِهِمْ فِي حَقِّهِمْ كَالثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرُّوا بِدَيْنٍ عَلَيْهِ بَدَأَتْ بِهِ قَبْلَ الْمُكَاتَبَةِ، كَمَا لَوْ ثَبَتَ مَوْتُهُ بِالْبَيِّنَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الدَّيْنَ أَقْوَى مِنْ الْمُكَاتَبَةِ حَتَّى إذَا عَجَزَ نَفْسُهُ سَقَطَتْ الْمُكَاتَبَةُ عَنْهُ دُونَ الدَّيْنِ، وَعِنْدَ اجْتِمَاعِ الْحُقُوقِ فِي الْمَالِ يُبْدَأُ بِالْأَقْوَى فَالْأَقْوَى عُرِفَ ذَلِكَ بِقَضِيَّةِ الْعُقُولِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute