الزَّوْجَةِ لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُوَجِّهَ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ فَيُلْزِمُهُ بِقَضَائِهِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ عَنْهُ، وَهَذَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ مَعْلُومًا لَهُ، وَإِنْ أَرَادَتْ إثْبَاتَ النِّكَاحِ بِالْبَيِّنَةِ لَمْ يَسْمَعْ الْقَاضِي بَيِّنَتَهَا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تَكُونُ حُجَّةً إلَّا عَلَى خَصْمٍ جَاحِدٍ فَمَا لَمْ يَحْضُرْ هُوَ أَوْ خَصْمٌ عَنْهُ لَا يَسْمَعُ الْقَاضِي بَيِّنَتَهَا عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ، وَيَأْمُرُهَا بِأَنْ تَسْتَدِينَ وَتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا، فَإِذَا حَضَرَ الزَّوْجُ كَلَّفَهَا إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَعَادَتْ قَضَى عَلَى الزَّوْجِ بِمَا أَنْفَقَتْ فِي الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ، وَإِنْ لَمْ تُعِدْ الْبَيِّنَةَ عَلَى الزَّوْجِ لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَهَذَا مِنْهُ نَوْعُ احْتِيَاطٍ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ جَمِيعًا.
(وَإِذَا) أَجَّرَ الْمَفْقُودُ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يُفْقَدَ لَمْ تُنْتَقَضْ الْإِجَارَةُ بَعْدَ مَا يَصِيرُ مَفْقُودًا؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ فِي إبْقَاءِ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ، وَلَا يَبْرَأُ الْمُسْتَأْجِرُ بِدَفْعِ الْأُجْرَةِ إلَى زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ.
(وَإِذَا) فُقِدَ الرَّجُلُ بِصِفِّينَ أَوْ بِالْجَمَلِ ثُمَّ اخْتَصَمَ وَرَثَتُهُ فِي مَالِهِ الْيَوْمَ، فَإِنَّ هَذَا قَدْ مَاتَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ أَدْرَكَ ذَلِكَ الزَّمَانَ، فَإِذَا بَلَغَ الْمَفْقُودُ هَذِهِ الْمُدَّةَ فَهُوَ مَيِّتٌ يُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ.
(وَالْجَمَلُ) حَرْبٌ كَانَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ بِالْبَصْرَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -. (وَصِفِّينَ) كَانَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَبَيْنَ أَهْلِ الشَّامِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى وَقْتِ تَصْنِيفِ هَذَا الْكِتَابِ كَانَ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَالرَّجُلُ الَّذِي فُقِدَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ ابْنَ عِشْرِينَ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مُحَارِبًا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَبْقَى فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ ظَاهِرًا. فَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنٌ مَاتَ زَمَانَ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَتَرَكَ أَخًا لِأُمِّهِ وَلِلْمَفْقُودِ عَصَبَةٌ، فَإِنِّي أَنْظُرُ إلَى سِنِّ الْمَفْقُودِ يَوْمَ مَاتَ الِابْنُ، فَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ يَعِيشُ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ أُوَرِّثْ الِابْنَ مِنْهُ شَيْئًا لِبَقَائِهِ حَيًّا بِطَرِيقِ الظَّاهِرِ وَاسْتِصْحَابِ الْحَالِ، وَلَمْ أُوَرِّثْهُ مِنْ أَبِيهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ شَرْطٌ لِوِرَاثَتِهِ عَنْهُ فَإِنَّ الْوِرَاثَةَ خِلَافَةٌ، وَالْحَيُّ يَخْلُفُ الْمَيِّتَ، فَأَمَّا الْمَيِّتُ فَلَا يَخْلُفُ الْمَيِّتَ، وَمَا كَانَ شَرْطًا فَمَا لَمْ يَثْبُتْ بِدَلِيلٍ مُوجِبٍ لَهُ لَا يُثْبِتُ الْحُكْمَ، وَاسْتِصْحَابُ الْحَالِ دَلِيلٌ يَبْقَى لَا مُوجِبَ، فَلِهَذَا لَا يَرِثُ الْمَفْقُودَ مِنْ أَبِيهِ ثُمَّ يَكُونُ مِيرَاثُ الْمَفْقُودِ لِعَصَبَتِهِ الْحَيِّ بَعْدَ مَا يَمْضِي مِنْ الْمُدَّةِ مَا لَا يَعِيشُ مِثْلُهُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ لَا يَعِيشُ إلَى مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ حِينَ مَاتَ ابْنُهُ جَعَلْتَ الْمِيرَاثَ لِابْنِهِ؛ لِأَنَّ حَيَاتَهُ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ مَعْلُومٌ هُنَا بِدَلِيلِ شَرْعِيٍّ، فَإِذَا صَارَ مَالُ الْمَفْقُودِ مِيرَاثًا لَهُ كَانَ ذَلِكَ مَوْرُوثًا عَنْ ابْنِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ، لِأَخِيهِ لِأُمِّهِ مِنْهُ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي لِعَصَبَتِهِ، وَإِنْ كَانَ مَاتَ بَعْضُ مَنْ يَرِثُهُ الْمَفْقُودُ قَبْلَ هَذَا فَنَصِيبُهُ مِنْ الْمِيرَاثِ يُوقَفُ إلَى أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute