للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَيْنَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ ضَرَّتَهَا فِي حُكْمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى الضَّرَّةِ، فَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى الْقِصَاصِ حَصَلَ الْعَفْوُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَعْفُوَ عَنْ الْقِصَاصِ لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ إلَّا بِمُبَاشَرَةِ الْعَفْوِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عِتْقِ أَبِيهَا عَتَقَ الْأَبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَعْتِقَ أَبَاهَا وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ مَا سُمِّيَ صَدَاقًا مِنْ عِتْقِ الْأَبِ لَيْسَ بِمَالٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عِتْقِ أَبِيهَا عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَمْلِيكَ رَقَبَةِ الْأَبِ مِنْهَا، فَإِنَّ الْعِتْقَ عَنْهَا لَا يَكُونُ إلَّا بِهَذَا الشَّرْطِ، وَرَقَبَةُ الْأَبِ مَالٌ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا لَهَا.

وَإِذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ رَجُلٍ عَلَى مَهْرٍ مُسَمًّى عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ عَلَى مَهْرٍ مُسَمًّى، فَإِنْ زَوَّجَهُ فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَا سُمِّيَ لَهَا مِنْ الْمَهْرِ، وَإِنْ لَمْ يُزَوِّجْهُ الْآخَرُ كَانَ لِلْمُزَوَّجَةِ تَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ رِضَاهَا بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ بِاعْتِبَارِ مَنْفَعَةٍ مَشْرُوطَةٍ لِأَبِيهَا، وَمَنْفَعَةُ أَبِيهَا كَمَنْفَعَتِهَا، وَلَوْ شَرَطَ لَهَا مَعَ الْمُسَمَّى مَنْفَعَةً كَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، كَذَا هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ نِكَاحِ الْأَكْفَاءِ]

(قَالَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ مَا هُوَ مَقْصُودُ هَذَا الْبَابِ وَهُوَ اعْتِبَارُ الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ، وَصِحَّةُ عَقْدِ النِّكَاحِ مِنْ كُفْءٍ بِمَهْرِ مِثْلِهَا بِمُبَاشَرَتِهَا أَوْ بِمُبَاشَرَةِ غَيْرِهَا بِرِضَاهَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِآثَارٍ رُوِيَتْ فَمِنْهُ حَدِيثُ جَعْفَرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ وَكَانَ الَّذِي وَلِيَ عَقْدَ النِّكَاحِ النَّجَاشِيُّ وَمَهَرَهَا عَنْهُ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ» وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا زَوَّجَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ غَائِبٌ فَقَالَ: أَمِثْلِي يُفْتَاتُ عَلَيْهِ فِي بَنَاتِهِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَوَتَرْغَبُ عَنْ الْمُنْذِرِ لَتَمْلِكَنَّ أَمْرَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَمَلَكَهَا فَقَالَ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْهُ، وَمِنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَرْوَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: زَوَّجَتْ امْرَأَةٌ مَعَنَا فِي الدَّارِ ابْنَتَيْهَا فَجَاءَ أَوْلِيَاؤُهَا فَخَاصَمُوهَا إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَجَازَ النِّكَاحَ، وَمِنْهُ حَدِيثُ بَحْرِيَّةَ بِنْتِ هَانِئ قَالَتْ: زَوَّجْتُ نَفْسِي مِنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ شَوْرٍ فَخَاصَمَ أَبِي إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَجَازَ النِّكَاحَ، وَلَكِنَّ الْحُجَّةَ بِهَذِهِ الْآثَارِ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ يَقُولُ: لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تَقْوَى الْحُجَّةُ بِبَعْضِ هَذِهِ الْآثَارِ، فَإِنَّهُ يَقُولُ فِي حَدِيثِ النَّجَاشِيِّ: إنَّهُ كَانَ هُوَ الْوَلِيُّ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُسْلِمَةً فِي وِلَايَتِهِ، فَإِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -

<<  <  ج: ص:  >  >>