للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بَابُ مُزَارَعَةِ الْحَرْبِيِّ]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَدَفَعَ إلَيْهِ رَجُلٌ أَرْضًا لَهُ وَبَذْرًا مُزَارَعَةً هَذِهِ السَّنَةَ بِالنِّصْفِ - فَهُوَ جَائِزٌ، وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَحْكَامَنَا فِي الْمُعَامَلَاتِ مَا دَامَ فِي دِيَارِنَا، وَالْمُزَارَعَةُ إجَارَةٌ أَوْ شَرِكَةٌ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُعَامَلَةٌ تَصِحُّ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَوْلَ كَامِلٌ لِاسْتِيفَاءِ الْجِزْيَةِ، وَالْكَافِرُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْمُقَامِ فِي دَارِنَا تَمَامَ مُدَّةِ اسْتِيفَاءِ الْجِزْيَةِ بِغَيْرِ جِزْيَةٍ، فَيَتَقَدَّمُ إلَيْهِ فِي الْخُرُوجِ، فَإِنْ أَقَامَ سَنَةً بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ إلَيْهِ وَضَعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجَ، وَجَعَلَهُ ذِمِّيًّا، وَلَمْ يَدَعْهُ يَرْجِعُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ.

وَلَوْ اشْتَرَى الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ أَرْضًا عُشْرِيَّةً أَوْ خَرَاجِيَّةً، فَدَفَعَهَا إلَى مُسْلِمٍ مُزَارَعَةً - جَازَ، وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا، وَيُوضَعُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَرْضِهِ الْخَرَاجُ، وَلَا يُتْرَكُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، بَلْ يَجْعَلُهُ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّ خَرَاجَ الرُّءُوسِ تَبَعٌ لِخَرَاجِ الْأَرَاضِي، فَإِذَا الْتَزَمَ خَرَاجَ الْأَرْضِ كَانَ مُلْتَزِمًا خَرَاجَ الرَّأْسِ أَيْضًا، وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبَيْهِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ عُشْرِيَّةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي ذِمِّيًّا، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُسْتَأْمَنًا. وَلَوْ دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَاشْتَرَى أَرْضًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، فَدَفَعَهَا إلَى حَرْبِيٍّ مُزَارَعَةً، أَوْ أَخَذَ الْمُسْلِمُ أَرْضَ الْحَرْبِيِّ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ - جَازَ؛ لِأَنَّهُ يُعَامِلُهُمْ مَا دَامَ فِي دَارِ الْحَرْبِ - بِالشَّرِكَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْمُزَارَعَةِ - لَا يَخْرُجُ مِنْهَا. وَلَوْ كَانَ اُشْتُرِطَ لِأَحَدِهِمَا عِشْرُونَ قَفِيزًا مِنْ الْخَارِجِ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، يَأْخُذُهَا مَنْ سُمِّيَتْ لَهُ مِنْ الْخَارِجِ، وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ. وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: الْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ، وَالْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَلِلْآخَرِ الْأَجْرُ إذَا أَسْلَمَ وَخَرَجَ إلَيْنَا، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعُقُودَ الَّتِي تَفْسُدُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ كَعَقْدِ الرِّبَا هَلْ يَجْرِي بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ. وَالْمُزَارَعَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمَيْنِ التَّاجِرَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِمَنْزِلَتِهِمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُمَا مُخَاطَبَانِ بِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ، وَمَعْنَى الْإِحْرَازِ فِي مَالِهِمَا قَائِمٌ، وَمُبَاشَرَتُهُمَا الْمُزَارَعَةَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَفِي دَارِ الْإِسْلَامِ سَوَاءٌ فِيمَا يَصِحُّ وَيَفْسُدُ. وَالْمُزَارَعَةُ بَيْنَ مُسْلِمٍ تَاجِرٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَبَيْنَ رَجُلٍ أَسْلَمَ هُنَاكَ جَائِزَةٌ بِالنِّصْفِ، وَكَذَا بِعِشْرِينَ قَفِيزًا مِنْ الْخَارِجِ لِأَحَدِهِمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ بِمَنْزِلَةِ عَقْدِ الرِّبَا بَيْنَ التَّاجِرِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَاَلَّذِي أَسْلَمَ هُنَاكَ وَبَيْنَ اللَّذَيْنِ أَسْلَمَا وَلَمْ يُهَاجِرَا.

وَإِذَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ أَوْ التَّاجِرُ أَرْضًا فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَدَفَعَهَا إلَى حَرْبِيٍّ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ، فَلَمَّا اُسْتُحْصِدَ الزَّرْعُ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تِلْكَ الدَّارِ - فَالزَّرْعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>