مِنْ جِهَتِهِ وَلَوْ أَنْكَرَهُ أَصْلًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةَ الرَّاعِي؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الْإِذْنَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِبَيِّنَتِهِ، ثُمَّ لَا يَضْمَنُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي قَوْلِهِمَا هُوَ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَوْتِ، وَإِنْ كَانَ أَجِيرًا خَاصًّا لَمْ يَضْمَنْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا إلَّا أَنْ يُخَالِفَ وَلَا أَجْرَ لِلرَّاعِي إذَا خَالَفَ بَعْدَ أَنْ تَعْطَبَ الْغَنَمُ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ ضَامِنٌ وَبِالضَّمَانِ يَتَمَلَّكُ الْمَضْمُونَ مِنْ وَقْتِ وُجُوبِ الضَّمَانِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ فِي الرَّعْيِ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ سَلِمَتْ الْغَنَمُ اسْتَحْسَنْتُ أَنْ أَجْعَلَ لَهُ الْأَجْرَ لِحُصُولِ مَقْصُودِ رَبِّ الْغَنَمِ وَهُوَ الرَّعْيُ مَعَ سَلَامَةِ أَغْنَامِهِ وَهُوَ بِتَعْيِينِ ذَلِكَ الْمَكَانِ مَا قَصَدَ إلَّا هَذَا فَإِذَا حَصَلَ لَهُ هَذَا بِعَيْنِهِ فِي مَكَان وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[بَابُ إجَارَةِ الْمَتَاعِ]
(قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا لِيَلْبَسهُ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ بِأَجْرٍ مُسَمًّى فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ عَيْنٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ بِطَرِيقٍ مُبَاحٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْبِسَهُ غَيْرَهُ)؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لُبْسُهُ بِنَفْسِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ مَتَى أَفَادَ اُعْتُبِرَ وَهَذَا تَعْيِينٌ مُفِيدٌ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ فَلُبْسُ الدَّبَّاغِ وَالْقَصَّارِ لَا يَكُونُ كَلُبْسِ الْعَطَّارِ بِخِلَافِ سُكْنَى الدَّارِ فَالنَّاسُ لَا يَتَفَاوَتُونَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ أَعْطَاهُ غَيْرَهُ فَلَبِسَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ ضَمِنَهُ إنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ فِي إلْبَاسِهِ غَيْرَهُ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ فَلَا أَجْرَ لَهُ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَا يَصِيرُ مُسْتَوْفًى بِلُبْسِهِ فَمَا يَكُونُ مُسْتَوْفًى بِلُبْسِ غَيْرِهِ وَلَا يَكُونُ مَعْقُودًا عَلَيْهِ وَاسْتِيفَاءُ غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا يُوجِبُ الْبَدَلَ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا بِعَيْنِهِ، ثُمَّ غَصَبَ مِنْهُ ثَوْبًا آخَرَ وَلَبِسَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَجْرُ، فَكَذَلِكَ إذَا أَلْبَس ذَلِكَ الثَّوْبَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ اللَّابِسَ كَتَعْيِينِ الْمَلْبُوسِ.
(فَإِنْ قِيلَ) هُوَ قَدْ يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَكْفِي لِوُجُوبِ الْأَجْرِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ وَضَعَهُ فِي بَيْتِهِ وَلَمْ يَلْبَسْهُ.
(قُلْنَا) تَمَكُّنُهُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ وَإِذَا وَضَعَهُ فِي بَيْتِهِ فَيَدُهُ عَلَيْهِ مُعْتَبَرَةٌ وَلِذَا لَوْ هَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ، فَأَمَّا إذَا أَلْبَسهُ غَيْرَهُ فَيَدُهُ عَلَيْهِ مُعْتَبَرَةٌ حُكْمًا.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ ضَامِنٌ، وَإِنْ هَلَكَ مِنْ غَيْرِ اللُّبْسِ وَإِنَّ يَدَ اللَّابِسِ عَلَيْهِ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ حَتَّى يَكُونَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يُضَمِّنَ غَيْرَ اللَّابِسِ وَلَا يَكُونُ إلَّا بِطَرِيقِ تَفْوِيتِ يَدِهِ حُكْمًا؛ فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ الْأَجْرُ، وَإِنْ سَلِمَ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيُلْبَسَ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ وَلَمْ يُسَمِّ مَنْ يَلْبَسُهُ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّ اللُّبْسَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اللَّابِسِ وَبِاخْتِلَافِ الْمَلْبُوسِ فَكَمَا أَنَّ تَرْكَ التَّعْيِينِ فِي الْمَلْبُوسِ عِنْدَ الْعَقْدِ يُفْسِدُ الْعَقْدَ، فَكَذَلِكَ تَرْكُ تَعْيِينِ اللَّابِسِ.
(وَهَذِهِ جَهَالَةٌ) تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّ صَاحِبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute