وَلَا يُوجِبُ حِلَّ الْمَحَلِّ.
(قَالَ): وَإِذَا ارْتَدَّ الزَّوْجُ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ - ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ عَنْ ظِهَارِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ أَجْزَى عَنْهُ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ يَبْقَى بَعْدَ رِدَّتِهِ عِنْدَهُ، وَطَعَنَ عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ: هَذَا الْجَوَابُ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَتَأَدَّى بِعِتْقٍ هُوَ قُرْبَةٌ خَالِصَةٌ، وَلِهَذَا لَا يَتَأَدَّى بِالْعِتْقِ بِجُعْلٍ، وَالْمُرْتَدُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ، وَلَا تَتَأَدَّى الْكَفَّارَةُ إلَّا بِنِيَّةِ الْعِبَادَةِ، وَالْمُرْتَدُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّمَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ، وَكَمَا تَوَقَّفَ أَصْلُ عِتْقِهِ تُوقَفُ نِيَّتُهُ فَيَصِيرُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ كَالْمُجَدِّدِ لِذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَتَوَقَّفَ حُكْمُ النِّيَّةِ كَمَنْ أَبْهَمَ النِّيَّةَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ تَتَوَقَّفُ عَلَى أَنْ يَكُونَ حَجًّا، أَوْ عُمْرَةً لِتَعْيِينِهِ فِي الثَّانِي، وَيُجْعَلُ عِنْدَ التَّعْيِينِ كَأَنَّهُ جَدَّدَهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ بَعْدَمَا أَسْلَمَ يَبْطُلُ حُكْمُ رِدَّتِهِ، وَلِهَذَا يُعَادُ إلَيْهِ مِنْ أَمْلَاكِهِ مَا كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ فِي يَدِ وَارِثِهِ، فَكَذَلِكَ يَبْطُلُ مَا يَنْبَنِي عَلَى رِدَّتِهِ، وَهُوَ فَسَادُ نِيَّتِهِ
(قَالَ): وَإِنْ أَكَلَ فِي صَوْمِ الظِّهَارِ نَاسِيًا لِصَوْمِهِ لَمْ يَضُرَّ، وَكَذَلِكَ إنْ جَامَعَ غَيْرَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ هَذَا الْفِعْلِ عَلَيْهِ؛ لِأَجْلِ الصَّوْمِ، فَيَخْتَلِفُ بِالنِّسْيَانِ، وَالْعَمْدِ بِخِلَافِ مَا لَوْ جَامَعَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّ حُرْمَةَ ذَلِكَ الْفِعْلِ لَيْسَ لِأَجْلِ الصَّوْمِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَانَ مُحْرِمًا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ فَيَسْتَوِي فِيهِ النِّسْيَانُ، وَالْعَمْدُ؛ ثُمَّ إنْ صَامَ الْمُظَاهِرُ شَهْرَيْنِ بِالْأَهِلَّةِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ شَهْرٍ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَإِنْ صَامَ لِغَيْرِ الْأَهِلَّةِ ثُمَّ أَفْطَرَ لِتَمَامِ تِسْعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا فَعَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ؛ لِأَنَّ الْأَهِلَّةَ أَصْلٌ، وَالْأَيَّامُ بَدَلٌ كَمَا قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ الْهِلَالُ فَأَكْمِلُوا شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» فَعِنْدَ وُجُودِ الْأَصْلِ -، وَهِيَ الْأَهِلَّةُ لَا مُعْتَبَرَ بِالْأَيَّامِ، وَعِنْدَ عَدَمِ الْأَصْلِ الِاعْتِبَارُ بِالْأَيَّامِ فَلَا يَتِمُّ الشَّهْرَانِ إلَّا بِسِتِّينَ يَوْمًا، فَإِنْ صَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ صَامَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يُجْزِيهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي حُكْمِ الْعِدَّةِ، أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا كَانَ ابْتِدَاءُ الشَّهْرِ بِالْأَيَّامِ يُعْتَبَرُ كُلُّهُ بِالْأَيَّامِ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَتِمَّ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ لَا يَدْخُلُ الشَّهْرُ الثَّانِي، وَعِنْدَهُمَا الِاعْتِبَارُ بِالْأَيَّامِ فِيمَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الِاعْتِبَارُ بِالْأَهِلَّةِ، وَهُوَ الشَّهْرُ الْوَاحِدُ فَقَطْ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[بَابُ الْإِطْعَامِ فِي الظِّهَارِ.]
(قَالَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَيُجْزِيهِ أَنْ يَدْعُوَ سِتِّينَ مِسْكِينًا فَيُغَدِّيَهُمْ، وَيُعَشِّيَهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute