للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَرْضَى بِالْجَوْرِ وَذَلِكَ حَرَامٌ، فَكَانَ الْجُعْلُ مَرْدُودًا. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

[بَابُ نَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ]

(قَالَ:) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيُجْبَرُ الرَّجُلُ الْمُوسِرُ عَلَى نَفَقَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ إذَا كَانَا مُحْتَاجَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣] نَهَى عَنْ التَّأْفِيفِ لِمَعْنَى الْأَذَى، وَمَعْنَى الْأَذَى فِي مَنْعِ النَّفَقَةِ عِنْدَ حَاجَتِهِمَا أَكْثَرُ؛ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمَا، وَإِنْ كَانَا قَادِرَيْنِ عَلَى الْكَسْبِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْأَذَى فِي الْكَدِّ وَالتَّعَبِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي التَّأْفِيفِ وَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَطْيَبَ مَا يَأْكُلُ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ وَلَدَهُ لَمِنْ كَسْبِهِ؛ فَكُلُوا مِمَّا كَسَبَ أَوْلَادُكُمْ.» وَإِذَا كَانَ الْأَوْلَادُ ذُكُورًا وَإِنَاثًا مُوسِرِينَ فَنَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ عَلَيْهِمْ بِالسَّوِيَّةِ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ النَّفَقَةَ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ عَلَى قِيَاسِ الْمِيرَاثِ وَعَلَى قِيَاسِ نَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأَبَوَيْنِ النَّفَقَةَ بِاعْتِبَارِ التَّأْوِيلِ وَحَقُّ الْمِلْكِ لَهُمَا فِي مَالِ الْوَلَدِ، كَمَا قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَفِي هَذَا الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ سَوَاءٌ وَلِهَذَا يَثْبُتُ لَهُمَا هَذَا الِاسْتِحْقَاقُ مَعَ اخْتِلَافِ الْمِلَّةِ، وَإِنْ انْعَدَمَ التَّوَارُثُ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ الْمِلَّةِ.

(قَالَ:) وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مُعْسِرًا وَهُمَا مُعْسِرَانِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا اسْتَوَيَا فِي الْحَالِ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا بِإِيجَابِ نَفَقَتِهِ عَلَى صَاحِبِهِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، إلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: إذَا كَانَ الْأَبُ زَمِنًا وَكَسْبُ الِابْنِ لَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَتِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَضُمَّ الْأَبَ إلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ ضَاعَ الْأَبُ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَا يَخْشَى الْهَلَاكَ عَلَى الْوَلَدِ وَالْإِنْسَانُ لَا يَهْلِكُ عَلَى نِصْفِ بَطْنِهِ. (قَالَ:)، وَكَذَلِكَ الْجَدُّ أَبُ الْأَبِ وَالْجَدَّةُ أُمُّ الْأُمِّ وَأُمُّ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ الْوَالِدَيْنِ وَحَالُهُمْ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ كَحَالِ الْأَبَوَيْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّ التَّأْوِيلَ فِي مَالِ النَّافِلَةِ يَثْبُتُ لِلْجَدِّ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ كَمَا يَثْبُتُ لِلْأَبِ.

(قَالَ:) وَيُجْبَرُ الرَّجُلُ عَلَى نَفَقَةِ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] وَالنَّفَقَةُ بَعْدَ الْفِطَامِ بِمَنْزِلَةِ مُؤْنَةِ الرَّضَاعِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْوَلَدَ جُزْءٌ مِنْ الْأَبِ فَتَكُونُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ كَنَفَقَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُشَارِكُ الْأَبَ فِي النَّفَقَةِ أَحَدٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ وَالْأُمِّ أَثْلَاثًا بِحَسَبِ مِيرَاثِهِمَا مِنْ الْوَلَدِ فَأَمَّا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، كَمَا لَا يُشَارِكُ

<<  <  ج: ص:  >  >>