للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَرْبَعُ نِسْوَةٍ كَانَ نِكَاحُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ نِسْوَةٌ مِنْهُمَا جَائِزًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ نِكَاحُ الَّذِي لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ انْفَرَدَ نِكَاحُ الْآخَرِ كَانَ صَحِيحًا، فَإِذَا اجْتَمَعَا صَحَّ نِكَاحُ مَنْ يَصِحُّ نِكَاحُهُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ لَا تَتَحَقَّقُ بَيْنَ مَا لَهُ صِحَّةٌ وَبَيْنَ مَا لَا صِحَّةَ لَهُ، وَإِذَا صَحَّ نِكَاحُ أَحَدِهِمَا فَعَلَيْهِ جَمِيعُ مَا سُمِّيَ لَهَا إنْ كَانَا سَمَّيَا أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ظَاهِرٌ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ وَإِحْدَاهُمَا لَا تَحِلُّ لَهُ بِمَهْرٍ وَاحِدٍ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يُفَرِّقَانِ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ تِلْكَ فَيَقُولَانِ: الْأَلْفُ هُنَا بِمُقَابَلَةِ بُضْعِهَا وَقَدْ سَلَّمَ ذَلِكَ لِلَّذِي صَحَّ نِكَاحُهُ بِكَمَالِهِ، فَأَمَّا هُنَاكَ الْأَلْفُ مُسَمًّى بِمُقَابَلَةِ بُضْعَيْنِ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ إلَّا أَحَدُهُمَا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مِقْدَارُ حِصَّتِهِ مِنْ الْمَهْرِ، وَإِنْ كَانَ سَمَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِنَفْسِهِ خَمْسَمِائَةٍ لَمْ يَلْزَمْ هَذَا الزَّوْجَ إلَّا خَمْسُمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ إلَّا هَذَا الْمِقْدَارَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْمَهْرِ إلَّا قَدْرُ مَا الْتَزَمَهُ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ هُنَاكَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ سَمَّى جَمِيعَ الْأَلْفِ بِمُقَابَلَةِ بُضْعِهَا، فَإِذَا سَلَّمَ ذَلِكَ لِأَحَدِهِمَا لَزِمَهُ جَمِيعُ الْمَهْرِ.

(قَالَ:) وَالنِّكَاحُ الْفَاسِدُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَسِيسٌ أَوْ نَظَرٌ لَا يُثْبِتُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ إنَّمَا يُقَامُ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي إثْبَاتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْوَطْءِ شَرْعًا، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ، فَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ أَصْلُهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ فَالسَّبَبُ الْفَاسِدُ لَا يُثْبِتُ إلَّا الْمِلْكَ الْحَرَامَ، وَمُوجِبُ النِّكَاحِ مِلْكُ الْحِلِّ، وَبَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ مُنَافَاةٌ، فَإِذَا انْعَدَمَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ الْحَلَالِ بِالسَّبَبِ الْفَاسِدِ وَالْمِلْكِ الْحَرَامِ بِالنِّكَاحِ لَا يَكُونُ خَلَا السَّبَبُ عَنْ الْحُكْمِ، وَالْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّةُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ لِأَحْكَامِهَا فَكُلُّ سَبَبٍ خَلَا عَنْ الْحُكْمِ كَانَ لَغْوًا، وَإِذَا أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّكَاحِ وَالزَّوْجُ جَاحِدٌ يَثْبُتُ نِكَاحُهَا وَلَمْ يَفْسُدْ بِجُحُودِهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الثَّابِتَ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِالطَّلَاقِ وَجُحُودُهُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ قَطْعٌ لِلنِّكَاحِ، وَالْجُحُودُ نَفْيٌ لِلنِّكَاحِ أَصْلًا، فَلَا يَصِيرُ بِهِ قَاطِعًا، فَلِهَذَا قُضِيَ بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصِّدْقِ وَالصَّوَابِ.

[بَابُ الْغُرُورِ فِي الْمَمْلُوكَةِ]

(قَالَ:) رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا، فَإِذَا هِيَ مُكَاتَبَةٌ قَدْ أَذِنَ لَهَا مَوْلَاهَا فِي التَّزَوُّجِ أَخَذَتْ عُقْرَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا إلَّا فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: لَا تَجِبُ قِيمَةُ الْوَلَدِ أَصْلًا لِأَنَّهَا تَسْعَى لِتَحْصِيلِ الْحُرِّيَّةِ لِنَفْسِهَا وَوَلَدِهَا، وَفِي هَذَا تَحْصِيلُ بَعْضِ مَقْصُودِهَا، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَقُولُ: هَذَا إنْ لَوْ دَخَلَ الْوَلَدُ فِي كِتَابَتِهَا وَلَمْ يَدْخُلْ؛ لِأَنَّهُ عَلِقَ حُرًّا

<<  <  ج: ص:  >  >>