فَوَجَبَ الْعُقْرُ، وَقِيمَةُ الْوَلَدِ لَهَا كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْمَغْرُورِ، وَهِيَ بِالْكِتَابَةِ صَارَتْ أَحَقَّ بِأَجْزَائِهَا وَمَنَافِعِهَا، فَمَا هُوَ بَدَلُ جُزْءٍ مِنْهَا فَهُوَ لَهَا ثُمَّ يَرْجِعُ الْأَبُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الَّذِي غَرَّهُ إنْ كَانَ رَجُلٌ حُرٌّ غَرَّهُ بِأَنْ زَوَّجَهَا مِنْهُ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ، فَإِنْ كَانَتْ الْمُكَاتَبَةُ هِيَ الَّتِي غَرَّتْهُ بِأَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ، فَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ رَجَعَ هُوَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ بِسَبَبِ الْغُرُورِ، فَلَا يَكُونُ مُفِيدًا ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ قِيمَةَ الْوَلَدِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْعِتْقِ، فَإِنَّ ضَمَانَ الْغُرُورِ بِمَنْزِلَةِ ضَمَانِ الْكَفَالَةِ فَيَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ عِتْقِهَا، وَالْقِيمَةُ لَهَا عَلَيْهِ فِي الْحَالِ فَكَانَ الرُّجُوعُ مُفِيدًا، وَإِنْ مَاتَ مَوْلَاهَا، وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ عَلَى حَالِهَا فَوَرِثَهُ أَبُ الْوَلَدِ خُيِّرَتْ بَيْنَ أَنْ تُبْطِلَ الْكِتَابَةَ وَبَيْنَ أَنْ تَمْضِيَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا إنْ أَبْطَلَتْ الْكِتَابَةَ صَارَتْ مَمْلُوكَةً لِأَبِ الْوَلَدِ بِالْمِيرَاثِ وَلَهَا مِنْهُ وَلَدٌ ثَابِتُ النَّسَبِ فَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَقَدْ تَلَقَّاهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ إحْدَاهُمَا مُؤَجَّلَةٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَهُوَ الِاسْتِيلَادُ وَالْأُخْرَى مُعَجَّلَةٌ بِبَدَلٍ وَهُوَ الْكِتَابَةُ، فَإِنْ مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ فَعَتَقَتْ بِالْأَدَاءِ، فَإِنَّمَا عَتَقَتْ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى الْأَوَّلِ وَكَانَ وَلَاؤُهَا لَهُ، وَإِنْ مَاتَ أَبُ الْوَلَدِ قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَ عَتَقَتْ وَبَطَلَتْ عَنْهَا الْمُكَاتَبَةُ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ فَتُعْتَقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ، فَإِنْ قِيلَ: هُوَ لَمْ يَمْلِكْ رَقَبَتَهَا إذَا اخْتَارَتْ الْمُضِيَّ عَلَى الْكِتَابَةِ.
(قُلْنَا:) نَعَمْ، وَلَكِنَّهُ صَارَ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَا حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهَا نَفَذَ عِتْقُهُ، فَكَذَلِكَ إذَا مَاتَ؛ لِأَنَّ عِتْقَ أُمِّ الْوَلَدِ مُتَعَلِّقٌ بِمَوْتِ الْمَوْلَى شَرْعًا عَلَى أَنْ يَصِيرَ الْمَوْلَى كَالْمُعْتِقِ لَهَا، وَلِأَنَّهَا إنَّمَا اخْتَارَتْ الْكِتَابَةَ لِمَا فِي الْعِتْقِ بِجِهَةِ الِاسْتِيلَادِ مِنْ التَّأْخِيرِ، فَإِذَا تَعَجَّلَ ذَلِكَ بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَخْتَارُ هَذِهِ الْجِهَةَ، فَإِذَا عَتَقَتْ سَقَطَ عَنْهَا بَدَلُ الْكِتَابَةِ إمَّا لِانْفِسَاخِ الْعَقْدِ بِرِضَاهَا أَوْ لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ لَهَا عَنْ أَدَاءِ الْبَدَلِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَهَبَ لَهَا الْمُكَاتَبَةَ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ حَقَّ الْمُسْتَوْلِدِ فِيهَا إلَى مَوْتِهِ فَبِالْمَوْتِ يَصِيرُ مُسْقِطًا حَقَّهُ، فَكَأَنَّهُ أَبْرَأهَا عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَالْوَارِثُ إذَا كَانَ وَاحِدًا فَإِبْرَاءُ الْمُكَاتَبِ عَنْ الْمُكَاتَبَةِ يَصِحُّ إبْرَاؤُهُ وَيُعْتَقُ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ مَعَهُ شَرِيكٌ فِي الْمِيرَاثِ سَعَتْ فِي مُكَاتَبَتِهَا عَلَى حَالِهَا؛ لِأَنَّ إبْرَاءَ أَحَدِ الْوَارِثَيْنِ عَنْ نَصِيبِهِ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لَا يُوجِبُ عِتْقَ شَيْءٍ مِنْهَا، وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهُ كَالْمُبْرِئِ لِتُعْتَقَ، فَإِذَا كَانَتْ لَا تُعْتَقُ هُنَا لَمْ يَكُنْ مُبَرِّئًا، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهَا الْعِتْقَ مَجَّانًا فِي الْحَالِ فَبَقِيَتْ عَلَى اخْتِيَارِهَا الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُضِيُّ عَلَى الْكِتَابَةِ، فَلِهَذَا سَعَتْ فِي مُكَاتَبَتِهَا وَكَانَ الْوَلَاءُ لِلْأَوَّلِ إذَا أَدَّتْ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا وَرِثَهُ رَجُلَانِ فَأَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا كَانَ عِتْقُهُ بَاطِلًا، وَلَوْ كَانَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute